تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رمضان الغرباء: محن و فتن.]

ـ[هشام زليم]ــــــــ[30 - 07 - 10, 02:09 ص]ـ

[رمضان الغرباء: محن و فتن.]

بقلم هشام زليم المغربي.

بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

رفض المسلمون المنصَّرون قسرا سياسة الدمج التي انتهجها فيليب الثاني فحافظوا على التعاليم الإسلامية الرئيسية التي ظلت تتوارثها سرّيا العوائل أبا عن جد: صوم رمضان, الزكاة, ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية, الختان و بعض المظاهر الثقافية الإسلامية كطريقة اللباس و الجلوس؛ لقد أصبحت هذه العبادات سلاحا يواجه به المورسكيون سياسة طمس هويتهم الدينية و الثقافية التي أضحوا هدفا لها منذ بداية القرن 16 م.

اجتهد الأندلسيون في مراقبة هلال رمضان إمّا بشكل فردي أو على مستوى جماعات, اجتهاد دل على حرص هؤلاء الغرباء على صيام هذا الشهر المبارك لعلّ الله عز وجل يرحمهم و يغفر لهم و يعتق رقابهم من النار.

كان على الأندلسي الذي يعمل تحمل مشقتين: أولا التعب الجسدي, و ثانيا العذاب النفسي الناجم عن الخوف طيلة شهر كامل من وشاية أحد رفقائه به لدى محاكم التفتيش (1). هذه الأخيرة شكل لها صيام الأندلسيين لرمضان إخفاقا آخر في اقتلاع الإسلام من جذوره و انتصارا لأهل التوحيد فوق الأرض النصرانية.

لهذا اجتهدت أغلب محاكم التفتيش ما بين 1572 و 1610م في القضاء على هذه الفريضة الإسلامية, و لم تكتف بمتابعة من يصوم الشهر الفضيل فقط بل شنت حملة شعواء على المسئولين عن نشر هذه ''الجريمة العقدية'': كل من ثبت حثه لإخوانه المسلمين على صيام رمضان سيتم تسليمه لمحكمة التفتيش ثم للسلطات المختصة لتنفيذ حكم الحرق فيه (2 (

خلال هذه الفترة سجّلت محاضر محاكم التفتيش الإسبانية 54 قضية لأشخاص حثوا على صيام رمضان, 24 امرأة و 30 رجلا, حُكِم عليهم جميعا بالموت حرقا, 40 منهم تمّ حرقهم فعليا.

لقد أظهرت محكمة تفتيش لوغرونيو Logrono – المُراقبة من قبل محكمة بلنسية – قسوة شديدة اتجاه أولئك الذين حاولوا إبقاء فريضة الصيام حية بين المورسكيين. فما بين 1577 و 1599 قضت هذه المحكمة بالموت على 84 مورسكيا! (3) , شكل رمضان بالنسبة ل 23 منهم سبب إدانتهم. و لم تبد السلطات الكنسية أية رحمة اتجاههم حيث نظر إليهم القانون على أنهم مرتدون. ثلاثة أرباع هذا العدد كن نساءا (17 امرأة بالتحديد) و قد عرف المفتشون جيدا حجم الدور الذي لعبنه في تمرير العادات الإسلامية بين الأجيال, فواجهوهن, في نهاية القرن 16م, بيد من حديد.

هذه الوحشية في التعامل مع المرأة المسلمة دلّت على حجم الدور الذي تكفلت بأدائه كصلة وصل بين الأجيال الجديدة و ماضيهم المسلم, فمجال عملها داخل المنزل مكنها من الحفاظ على الإسلام سرا, خاصة تلك العبادات المتعلقة بالطعام كالصيام و تجنب أكل لحم الخنزير ...

في بلدتي أكيلار Aguilar و أكريدا Agreda المتجاورتين, شكلت النساء طيلة 20 عاما محور الحياة الروحية و التقليدية الإسلامية. أغلبهن كنّ يفكرن مثل أرملة فرانثيثكو دي أركش Francisco De Arcos التي اعترفت أنه رغم المخاطر التي تتجشمها, يبقى رمضان الوسيلة الأكثر ضمانا للفوز بالحياة الآخرة و ''إنقاذ روحها'' (4). أخريات فعلن مثل مارية دي في Maria de Fee التي شجعت عائلتها على القيام بما تقوم به هي من واجبات دينية, و علّمتهم أدعية و أذكارا (5). لم تكن الوحيدة التي عملت على نشر عقيدتها. لقد نفذ المفتشون إلى داخل العوائل و وجهوا ضربات سريعة و دقيقة لمن كانوا نواة المحافظة على العبادات الإسلامية (6). و أوضح مثال على ذلك قضية مارية كليمنتي Maria Clemente ( أوروسكا) التي أحرقتها محكمة تفتيش لوغرونيو بسبب إقناعها لأفراد أسرتها بالصيام في رمضان (7).

كما لا يجب إغفال الدور الذي لعبته النساء الكبيرات في السن في الحفاظ على التقاليد الإسلامية (8). لقد حرص أغلب الأندلسيين على صيام رمضان و أبوا إلا أن يقضوا هذا الشهر الفضيل في نفس المكان مقوّين بذلك المناعة العائلية و الدينية لحي بأكمله (9). في محضر إيزابيلا نافارا Isabella Navarra أخبر أحدهم بما يلي: ''كل مورسكيي الحي الجديد بأكريدا Agreda مسلمون, حيث تزامن شهر غشت مع رمضان فلم نرهم يأكلون طيلة اليوم'' (10).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير