تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كتب الأنساب وأثرها في دراسة التاريخ:

تتركز أهمية كتب الأنساب في أنها معاجم لتراجم وسِيَر أشراف العرب حسب أنسابهم، فهي تعتني بدراسة تاريخ الأرستقراطية العربية على حسب أنسابها ودراسة الأنساب هي بحدّ ذاتها لها أهميتها الخاصة في الدراسة التاريخية (69)، لأن كتب الأنساب هي سلاسل أسماء تدعو لها الحاجة الاجتماعية القبلية للتعارف والتمايز، فهي كالأعمدة ينسج من حولها بعض القصص الذي يحفظ تكوينها، فهي في الواقع التاريخ الأنثروبولوجي التقليدي والهيكل العظمي للفكرة التاريخية، وبالرغم من أنها أكثر تاريخية من القصص باعتبارها شكلاً من أشكال التعبير التاريخي الذي يسجل إطار التكوين القبلي، إلاّ أنّ المعلومات النسبية قبل الإسلام بقيت تتناقل شفاهًا إلى فترة ليست بالقصيرة بعد الإسلام (70).

وإنّ كتاب النسب عندما يدوّنون شجرة نسب قبيلة من القبائل العربية وتفرعاتها وارتباطها مع غيرها من القبائل عن طريق صلة القربى أو المصاهرة أو الجوار، فنجدهم يبرزون مآثر شيخ القبيلة سواء عن طريق أيامهم وحروبهم فيذكرون فروسيته وشجاعته عندما تحمى نار الحرب أو إظهار دوره من خلال شخصيته في امتلاكه للحكمة وكيفية إدارة قبيلة وفض المنازعات مع غيره من القبائل ورأب الصدع الذي يحدث بين القبائل، أو إبراز كرمه المنقطع النظير الذي لا يجاريه أيّ رجل من بين أبناء قبيلته أو القبائل التي تعيش في تلك المنطقة. ومن خلال جمع شتات هذه المادة التاريخية التي نقلها الرواة والنسابون ودوّنها الكتّاب، نستطلع بها على حياة القبيلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تعدّ نواة وخدمة كبيرة للتدوين التاريخي؛ إذ دخلت رواياتهم في صلب مادة كتب التاريخ.

ويمكن القول إن القاسم المشترك بين مختلف الفلسفات التي تناولت علم التاريخ، كان فهمًا لدراسة النشاط الإنساني الذي تبذله مجموعة من الناس في مكان وزمان معيّنين في ظل مستوى من العلاقات التي توصلنا إلى هدف معيّن، وأنّ هذا الفهم عندما يوضع في إطار بحث فلسفي مع جوهر كتب الأنساب سوف يكشف لنا القيمة المعرفية في كتب الأنساب أولاً، ويبرز أهميتها في كتابة تاريخنا القومي ثانيًا (71).

فعندما يكون الإنسان أبرز مسائل التاريخ كما بين الكافيجي والسخاوي وابن خلدون (72)، فبالتأكيد يكون علم هذا الإنسان أساسيًّا في فهم التاريخ وكتابته؛ فالتاريخ الذي يصنع في ظل نظام قرابي أساسه الأم يعني نظام زواج مختلف عن نظام اجتماعي أساسي قرابته الأب، وبالتالي فأسس القرابة والتملك الاقتصادي والتحليل والتحريم ودورها في رسم القِيم الاجتماعية أمور تختلف في اشتراطاتها وتعزز لنا اتجاهات في التطور التاريخي مختلفة. إذن في مقدمة المسائل التي تقرر قيمة كتب الأنساب في كتابة التاريخ أنها المصدر الأساس لكتابة التاريخ الاجتماعي تحديدًا، بل بدونها لا يمكن إنجاز مثل هذه الكتابة، لأننا نرى أنّ المقصود من دراسة التاريخ الاجتماعي هو الوقوف على أساس نشأة المجتمع والنظام الذي اتخذته هذه النشأة وحكم تطورها، أنه دراسة لفاعلية حركة المجتمع تاريخيًّا، والدوافع المحركة لهذه الفاعلية، وليس فقط الوقوف على الأسرة وأشكال التنظيم الاجتماعي لأوجه النشاط اليومي للمجتمع، وعلى هذه النقطة يتراكم باقي القِيَم الأخرى لكتب الأنساب، ومع هذا فتحليل محتوى كتاب الأنساب يعطي فكرة عن كيفية توظيفها (74)؛

تعدّ المهماز والنواة التي من خلالها أفضت إلى عملية التدوين التاريخي معلومات أكسبتها صفة الملازمة والارتباط بين شجرة نسب القبيلة وماضيها الذي يعدّ تراثًا، فأعطى هذا الاقتران لعملية التدوين التاريخي أكثر مصداقية وقربًا من الحقيقة النسبية، ولأنّ مرويات وكتب النسابة دخلت في صميم عملية التاريخ العامّ. وقد اشترط السخاوي في عملية التدوين أن يكون المؤرخ صادقًا وأمينًا في النقل وتسمية المنقول منه، وعارفًا بحاله الديني والعلمي، ويجيد صياغة العبارات عارفًا بمدلول الألفاظ، فيجعل حضور الصورة واضحة أمام القارئ زائدًا على حسن التصور في توصيل الفكرة (75).

************************************************** ******

الهوامش:

(1) جاسم محمد عيسى الجبوري، قبيلة كلب ودورها في التاريخ، رسالة ماجستير غير منشورة، ص11.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير