زالت ذاكراته بخير والحمد لله، كما ذكرت ذلك في ترجمته في أول الكتاب، وغيرهم كثير في أنحاء العالم بفضل الله، وهذا من حفظ الله للقرآن، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر:9] وقد رأينا كثيرًا من كبار السنّ قد ردوا إلى أرذل العمر بعد سنّ السبعين أو الثمانين، وقد نسوا كل شيء وخلطوا في أقوالهم، بعكس أهل القرآن، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
ب - أن أكثر الذين قرؤوا على الشيخ الزيات - في آخر عمره- من ذوي الأهلية والإتقان [وسمعت أن البعض من غير المتقنين قرؤوا على الشيخ، ولكن هذا لا يجعلنا نقدح في سنده- رحمه الله-] نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله-، ولم يقبل الشيخ – وقتئذٍ- طالبًا مبتدئًا البتة، وكان أولاده هم الذين يقومون على هذا الأمر، فأكثر الطلاب أتوا للشيخ جاهزين حافظين، فضلًا عن أنهم قرؤوا وأُجِيزوا عن غيره، ولكنهم ذهبوا للشيخ لعلو السند. إذًا العبرة بإتقان الطالب وأدائه، ولا أظن أن يذهب طالب مبتدئ للقراءة على الشيخ ويقْرئه، والله أعلم.
ج- كما علمنا –سابقًا- أن الشيخ – رحمه الله- كان مُدركًا للقرآن قبل موته، فطالما أنه لم ينسَ بالكلية ولم يخلط، فإجازته عند أهل العلم صحيحة؛ إذ إن العلماء طَعَنوا في رواية سيء الحفظ، أو المختلط، ولكنهم قالوا بقبول روايته قبل أن يخلط، أما إذا اختلط في آخر عمره؛ فإنهم يقولون بامتناعه عن التحديث أو الإقراء، وهذان الأمران لم يحصلا للشيخ الزيات – رحمه الله-، وعلى ذلك نقول: لو كان الشيخ نسِىَ أو اختلط في آخر حياته، فإنّ إجازته لجميع مَن أجازهم لا تصح عنه، ونقول لمَن أُجيز منه: لا تُجِزْ أحدًا بسند شيخك الزيات؛ ولكن الزيات كان بخلاف ذلك كما ذكرنا، وللعلم فإن الذي يطعن في إجازة الزيات في آخر حياته: هم تلامذته الكبار؛ أعني القُدامى، ولا شك أن تلامذته الكبار الذين قرؤوا عليه قديمًا أفضل ممن قرأ عليه في آخر عمره، من حيث ملازمة الشيخ في وقت شبابه وأخْذ العلم عنه، ومن حيث السبق أيضًا، إلى غير ذلك.
...
المسألة الثانية: الإجازة ببعض القرآن.
فأقول: الكلام على هذه المسألة واقع بين أمرين: الأول: الإفراط الثاني: التفريط.
فأصل العمل بهذه المسألة جائز عند أهل العلم، ولكن لمَن؟ القراءة ببعض القرآن والإجازة بباقيه لا تكون إلا لمن كان متقنًا وقرأ على شيوخ آخرين، ودليل ذلك الآتي:
1 - (أن محمد بن أحمد بن شهريار الأصبهاني دخل الروم فلقيني بأنطاكية متوجهًا إليَّ إلى الشام فقرأ علىَّ للعشرة بعض القرآن وأجزته، ثم توجَّه إلى مدينة لارُندة فأقام بها يُقرئ الناس) غاية النهاية (2/ 64).
2 - وجاء في ترجمة الإمام المحقق ابن الجزري أنه جمع القراءات للإثنى عشر بمضمن كتُب على الشيخ أبي بكر عبد الله الجندي، وللسبعة بمضمن (العُنوان والتيسير والشاطبية) على العلامة أبي محمد بن الصائغ، والشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن البغدادي فتُوفيَّ ابن الجندي وهو قد وصل إلى قوله تعالى: ? إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان .. ? الآية في سورة النحل، فاستجازه ابن الجزري فأجازه الشيخ الجندي وأشهد عليه ثم تُوفي فأكمل على الشيخين المذكورين .. ) غاية النهاية (1/ 247 - 248).
3 - ما ذكره ابن الجزري في (غاية النهاية) في ترجمة محمد بن محمد بن عمر أبو عبد الله اللخمي مقرئ فاس وشيخها في زماننا، قال ابن الجزري: قرأ عليه صاحبنا محمد بن محمد بن ميمون البلوي بعض القرآن للسبع وأجازه في أواخر سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. ا. هـ.
4 - ما ذكره ابن الجزري في (غاية النهاية) في ترجمة إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس، فذكر ابن الجزري بعض مَن أخذ عنه، فقال:
(وقرأ عليه بعض القرآن بالقراءات وأجازه بالباقي شَيْخُنَا أبو المعالي بن اللبان وإبراهيم بن أحمد الضرير الشامي) ا. هـ.
والأدلة في ذلك كثيرة، تبين مشروعية هذا الأمر، ولقد رأيت كثيرًا من المجازين بالقراءات ينكرون هذا الأمر لجهلهم بهذه النصوص، وقياسهم الفاسد على بعض الأمور الأخرى، فإن الشيخ السمنودي – رحمه الله- عالم كبير يشار إليه بالبنان في علم القرآن والقراءات، فلا أظن أنه يجيز أحدا ببعض القرآن وهو ليس من ذوي الأهلية والإتقان.
...
المسألة الثالثة: الإجازة بشهادة معهد القراءات.
وقد ذكرت هذه المسألة في كتابي (الإجازات والأسانيد القرآنية سؤال وجواب)، وكذا موجودة على شبكة الانترنت، وقد تكلم عنها أخي فضيلة الشيخ وليد إدريس في مشاركته (8) في هذا الموضوع.
...
قولكم: وأخيرا فسبب الموضوع يخص الشيخ عبد الفتاح مدكور وما دار بينه وبين الشيخ حسن الوراقي , فكنت أتمنى أن ينهي الشيخ حسن الموضوع أولا مع الشيخ عبد الفتاح مدكور ويقوم بتفهيمه الفرق بين الإجازة والسند وأنواع التلقي، فإن أبى الشيخ وامتنع فليكن ما يكون من نشر الموضوع.
أقول: أخي الكريم أحمد عثمان وجميع إخواني، يعلم الله أني صبرت على هذا الموضوع منذ شهور، وكلمني من مصر أكثر من واحد في هذا الأمر، وكلهم من طلبة الشيخ مدكور، ويستحيون أن يتكلموا مع الشيخ مدكور.
فاتصلت أنا على الشيخ عدة مرات، وقلت له: أنت شيخنا وأستاذنا وأنا تلميذك ومشفق عليك، وإني لكم ناصح أمين، قال لي ماذا تريد؟، ثم بدأت أشرح للشيخ الفرق بين التعليم في معهد القراءات، وبين الإجازة أو السند، ولكن الشيخ أصر على أن فعله صحيح، وأن النبي ما كان معه إجازة ... إلى غير ذلك مما قاله لي.
بعد ذلك نشرت هذا البيان على الانترنت، بيانا لطلبة العلم، وليس تشهيرا بالشيخ كما يظن البعض، ووالله ما أردت إلا بيان الحق.
أسأل الله – تعالى- أن يهدنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
¥