تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قصة أبى غياث المالكي وزوجته لبابة]

ـ[محمد أمين الهاشمي]ــــــــ[30 - 10 - 10, 01:06 م]ـ

قال ابن جرير الطبرى:

كنت في مكة في موسم الحج فرأيت رجلا من خرسان ينادي ويقول: يا معشر الحجاج، يا أهل مكة من الحاضر والبادي،

فقدت كيسا فيه ألف دينار، فمن رده إلى جزاه الله خيرا وأعتقه من النار، وله الأجر والثواب يوم الحساب.

فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له: يا خرساني بلدنا حالتها شديدة، وأيام الحج معدودة،

ومواسمه محدودة، وأبواب الكسب مسدودة، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير، يطمع في عهد عليك،

لو رد المال إليك، تمنحه شيئا شيئا يسيرا، ومالا حلالا.

قال الخرساني:

فما مقدار حلوانه؟ كم يريد؟

قال الشيخ الكبير:

يريد العشر مائة دينار عشر الألف.

فلم يرض الخرسانى وقال: لا أفعل ولكنى أفوض أمره إلى الله،

وأشكوه إليه يوم نلقاه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال ابن جرير الطبرى:

فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير، وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير،

فتبعته حتى عاد إلى منزله، فكان كما ظننت، سمعته ينادى على امرأته ويقول: يا لبابة.

فقالت له: لبيك أبا غياث.

قال: وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا،

فقلت له: أعطنا منه مائة دينار، فأبى وفوض أمره إلى الله، ماذا أفعل يا لبابة؟

لا بد لى من رده، إنى أخاف ربى، أخاف أن يضاعف ذنبي.

فقالت له زوجته:

يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي،

وأنت تاسعنا، لا شاة لنا ولا مرعى، خذ المال كله، أشبعنا منه فإننا جوعي ,

واكسنا به فأنت بحالنا أوعى، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك،

فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك، أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك.

فقال لها يا لبابة:

أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمري،

وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقرى، وأستوجب

غضب الجبار، وأنا قريب من قبرى، لا والله لا أفعل.

قال ابن جرير الطبري:

فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته، فلما أصبحنا في

ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادى ...

يقول:

يا أهل مكة، يا معاشر الحجاج، يا وفد الله من الحاضر والبادي،

من وجد كيسا فيه ألف دينار، فليرده إلى وله الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير، وقال:

يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك، وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع، فجد على من وجد المال بشئ حتى لا يخالف الشرع،

وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل،

فهلا أعطيتهم

عشرة دنانير فقط بدلا من مائة، يكون لهم فها ستر وصيانة، وكفاف وأمانة.

فقال له الخرساني:

لا أفعل، وأحتسب مالي عند الله، وأشكوه إليه يوم نلقاه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قال ابن جرير الطبري:

ثم افترق الناس وذهبوا، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول:

يا معاشر الحجاج، يا وفد الله من الحاضر والبادي، من وجد كيسا

فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله.

فقام إليه الشيخ الكبير فقال له:

يا خرساني، قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت،

ثم عشرة فأبيت، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا، يشتري بنصفه إربة يطلبها،

وبالنصف الأخر شاة يحلبها، فيسقى الناس ويكتسب، ويطعم أولاده ويحتسب.

قال الخرسانى:

لا أفعل ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فجذبه الشيخ الكبير، وقال له: تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل،

فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال.

يقول ابن جرير:

فذهب مع صاحب الدنانير، وتبعتهما، حتى دخل الشيخ منزله،

فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال: خذ مالك، وأسأل الله أن يعفوي عنى، ويرزقني من فضله.

فأخذها الخرسانى وأراد الخروج، فلما بلغ باب الدار، قال:

يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف دينار، وقال لي: أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك، فربطتها في هذا الكيس

حتى أنفقه على من يستحق، والله ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى ههنا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير