تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الكرامات الواقعة أيضا صدق الفراسة وقوة الحدس، وقد ظهر ذلك في ميدان القتال كما ظهر في تصريحات المجاهدين الذين كان لهم دور في القيادة والسياسة، ومن الأول ما حدث في الولاية الثالثة في ضواحي عين الحمام حيث كان مقررا انعقاد اجتماع لقادة المناطق هناك، وصادف ذلك مرور كريم بلقاسم رحمه الله وكان في طريقه على تونس بعد تفكيك المنطقة الحرة بالعاصمة، فرأى طائرة استطلاعية تحوم حول المنطقة فسأل بعض المجاهدين فأخبر بأن اجتماعا عاما سيقام في الغد فأصدر أوامره -ولم يكن هو قائد الولاية آنذاك- للمجاهدين بالتفرق وإلغاء الاجتماع لأنه شم رائحة الخيانة، وفعلا فإن القوات الفرنسية حاصرت القرية التي برمج فيها الاجتماع فقتل كل من رفض أمر كريم بلقاسم، في حين نجا الآخرون وهم الأكثرون بفضل الله تعالى وعونه، لولا تدخل العناية الإلهية لقضي على قادة الولاية الثالثة جميعهم ([15]).

وكذلك العقيد عميروش رحمه الله تعالى قد عرف بذلك وهو من وصف برائد المشاة لكثرة مشيه وتنقله بين أطراف ولايته لمتابعة سير الجهاد عن قرب، ولكنه مع ذلك لم يقع قط في كمين للعدو بل وحتى خارج ولايته لما ذهب إلى الأوراس وإلى تونس ورجع، وذلك من حفظ الله تعالى لهذا القائد المغوار ومن حدسه وحسن اختياره للمسالك وأوقات التنقل، ولما شاء المولى قبضه فإنه استشهد في أول كمين وقع فيه وذلك خارج حدود ولايته في صحراء الولاية السادسة ([16]).

ومن الجنس الثاني أي الفراسة السياسية مقوله ديدوش مراد رحمه الله:"يجب علينا أن نجاهد ثماني سنوات تكرس السنوات الأربع الأولى منها لمحو فكرة الجزائر الفرنسية، أما السنوات الأربع الأخرى فهي التي سنحقق فيها الاستقلال بحول الله" بهذا اللفظ رواها محمد زروال ثم علق عليها بقوله: «لقد متخضت نبوءة هذا المجاهد فجرت مجرى الواقع إذ اعترف ديغول رئيس فرنسا بالجزائر الجزائرية في السنوات الأربع الأولى من الثورة أي عام 1958، وأرغم على الاعتراف في السنوات الأربع الأخرى باستقلال الجزائر عن السيادة الفرنسية وذلك عام 1962م ... حقا لقد نظر ديدوش إلى القضية الوطنية التي آمن بها نظرة إخلاص شديد فصدق الله فوله وأفاء عليه من فيوضاته اللدنية ما انتقش به كلامه في سجل الخالدين» ([17]).

سابعا: رائحة المسك تفوح من أجساد الشهداء

ومن كرامات الشهداء التي يثبت بها الله تعالى إخوانهم المجاهدين الأحياء أن أجسادهم لا تبلى وأنها لا تتعفن بل تفوح منها روائح العطر والمسك، ولم تعدم حرب الجزائر ممن شهد بذلك، فكم من شهيد توفي وهو باسم الثغر وكم من شهيد عثر على جثته بعد أيام وليالي في الصيف الحار وهي لم تتغير، وكم من شهيد فاحت منه تلك الروائح العطرة.

ومن تلك الحوداث التي عرفت طريقها إلى التدوين ما رواه الشيخ محمد الشبوكي قال:"ذات يوم من أيام صائفة عام 1955م وقع اشتباك في جبل القعقاع بالشريعة وكان ممن استشهد فيه أحمد بن ساعي فرحي وشهيد آخر، وقد منعت السلطة الفرنسية الأهالي من أن يقتربوا من جثتي الشهدين ليدفنوهما، بل إنها نقلت تينك الجثتين من ميدان المعركة وسجتهما على قارعة الطريق الرابط بين الشريعة وتبسة ليراهما الناس، هي إنما كانت تستهدف من ذلك الضغط النفساني على أولئك الأهالي المدنيين لكي يمتنعوا عن تأييدهم للمجاهدين، ولكي لا يلقوا مثل ما لقي هذان الشهيدان ... وقد أردت أن أرى ذينك الشهيدين رأي العين وأقف أمام جثتيهما وقوف المتمعن"، ثم يقول:"وما إن وصلنا إليهما حتى طلبت من مرافقي أن يوقف السيارة فامتثل للأمر، وعندئذ نزلت منها وذهبت إليهما ونزعت الغطاء عن كل منهما لا أكاد أشعر بشيء من حولي حتى أنني نسيت رجال العدو أنفسهم وما سنتعرض له من نقمتهم إن هم رأونا على تلك الحال، ولكنني كنت أمام مشهد روحي كبير أستلهم منه الشعور بالحياة وأستشف منه معاني التضحية بالنفس في أجمل وأوع صورها؟ كان الشهيدان باسمي الثغر وضاحي الوجه متوردي الخدين تعبق منهما رائحة كرائحة الياسمين" ([18]). وقد كان ذلك بعد أن قضايا أربعة كاملة تحت لفح شمس ذلك الصيف الحار.

ثامنا: فأغشيناهم فهم لا يبصرون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير