أما في القرن الثالث عشر الهجري، و ما تلاه حتى العهد الحاضر، فقد ازداد انتشار الأشراف، و كثر عددهم في الآفاق، فأصبح البحث في شمولية أنساب آل البيت، و تتبعهم أمرٌ، ليس بالميسور على النسابة الفرد، و لذا لا نجد كتباً ودراسات نسبية شاملة جادة ومحققة، شملت أنساب آل البيت بشكل عام، و حصر شامل، إلا بعض الكتب المتناثرة الخاصة ببعض الفروع.
...
س3: ما هي بصمات كلية الآثار والعمل الحكومي في وزارة الإعلام عليك في تحقيق الأنساب وتدقيقها؟
في الحقيقة لم يكن بخلدي حين درست في كلية الآثار، أو حتى بعد تخرجي وعملي لفترة يسيرة مفتشاً للآثار، لم يدر في ذهني العمل في مجال الأنساب وتحقيقها، و لكن نظراً لطبيعة دراستي للتاريخ الإسلامي بصفة عامة، و إضافة إلى الدراسات الأخرى للمخطوطات والوثائق و الآثار الإسلامية والعملات والنقود والنصوص الإنشائية القديمة من قراءات أثرية وفي شواهد القبور وغيرها، كل ذلك قد أكسبني خبرة في التعامل مع قضايا البحث و التوثيق، والتنقيب، و التدقيق فيما يتعلق بقضايا الأنساب بشكل عام، إذ يعد علم الأنساب من مصادر التاريخ وروافده ...
كما أكسبني العمل الإعلامي: التعامل مع قطاعات مختلفة من الناس، وهم متباينون في مستوياتهم الفكرية و الاجتماعية والدينية وغيرها، مما مكنني من التعامل مع كافة الشرائح البشرية في عالم الأنساب.
و أحب أن أشير في هذا المقام إلى أن محبتي لقومي من آل البيت كافة، كانت باعثاً كبيراً لنفسي للخوض في عالم الأنساب، حيث مكنني ذلك من تقديم ما يمكن به فائدتهم، وكان لكثرة قراءتي للمخطوطات، و للعديد من المصادر المتعلقة بالأنساب، و صبري ... إضافة إلى اطلاعي على كثير من الوثائق والحجج والمشجرات القديمة والحديثة وكثرة اختلاطي بالرواة والنسابين بمصر والحجاز وغيرها من البلدان والاستفادة منهم، مع الدخول في قضايا الأنساب المختلفة دون العجل في ابداء الرأي، أكسبني ذلك عبر السنين شيئاً من العلم في بحر الأنساب، و الذي آمل أن أقوم بتسجيل ما حملت منه أو بعضاً منه لإكمال رسالتي فيه، ثم الانصراف إلى شأن يغنيني في آخرتي ...
...
س 4: باعتبارك من أبرز المحققين الثقات لأنساب الأشراف اليوم ما هي أبرز العقبات التي كانت تواجهك عند تحقيق وتدقيق الأنساب؟
دعني أقول: كثيراً ما يواجه العاملين في مجال الأنساب العديد من العقبات، ومع كل استشكال نسبي يمكن مواجهة عقبات مختلفة، فليست جميع العقبات في مستوى واحد بل تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص و الظروف وطبيعة القضية النسبية المطروحة للبحث ..
من ذلك كثرة المصادر النسبية في المكتبات الإسلامية و تعارض بعضها مع بعض، فهناك بعض المصادر قد ذاع صيتها و نقل عنها العديد من النسابين و الباحثين، قديماً و حديثاً، و هي في الحقيقة تحمل بعضها أنساباً و أخباراً، بعضها مكذوب، و بعضها ضعيفٌ بَيِّنُ الوضع و السقط، بفعل النساخ أو المؤلف ذاته، مع تعذر العثور على نسخ أخرى لمقابلتها، و قد طبعت بعض تلك المصادر دون تحقيق جيد لها للأسف، و هي تحتاج إلى إعادة تحقيق وتدقيق!
كثيراً ما يأتيني أناس بقضايا نسبية، استشعر أن أصحابها صادقون في بحثهم عن الحقيقة، لكن لا أنا و لا أي باحث منصف متجرد للحق يستطيع أن يقدم لهم ما يعينهم على إثبات ذلك النسب الذي يبحثون عنه، وذلك لعدم توفر المصادر المتعلقة بهم، كما أنهم يفقدون ما يعينهم على إثبات أنسابهم، و هذا كثير اليوم، و نحن لا ننكر أنه قد توجد مصادر محفوظة و مشجرات قديمة و وثائق هنا وهناك، لكن لا يتيسر الاطلاع عليها لعدد من الأسباب.
ولعل من القضايا النسبة القديمة، والتي سيكون لها شأنٌ في المستقبل، و هي تواجهنا بإلحاح اليوم: دخول بعض أفراد أو جماعات من الأشراف في أحلاف مع بعض القبائل المحيطة بهم، ففي الحجاز مثلاً نجد نسبة في قبائل حرب وجهينة ومطير وغيرها، دعوى لأفراد منهم: أنهم ينتمون إلى الأشراف، و رغم وجود تواتر بين تلك القبائل يؤكد ذلك، إلا أن مثل هذه القضايا تحتاج إلى تثبت و إلى مزيد من البحث و التروي قبل التعجل في إبداء الرأي على ظاهر ما يملكون من وثائق و بينات.
¥