لم يكن اضطهاد أتباع المسيح عليه السلام احتكارا رومانيا فقد ساعدهم في ذلك اليهود الذين رفضوا الإيمان به, و شكل هذا سببا آخر للانقسام الذي عرفته الكنيسة في أيامها الأولى. أحد كبار المُضطهِدين, هو ”حبر الأحبار” شاؤول الطرسوسي, الذي سيشتهر فيما بعد باسم بولس. لقد لعب بولس دورا حاسما و فعالا في الاضطهاد, كما شهد على نفسه بذلك:
”سمعتم بسيرتي الماضية في ديانة اليهود و كيف كنت أضطهد كنيسة الله بلا رحمة و أحاول تدميرها, و أفوق أكثر أبناء جيلي من بني قومي في ديانة اليهود و في الغيرة الشديدة على تقاليد آبائي.” (رسالة بولس إلى غلاطية 1 - 13/ 14)
اضطهاد النصارى و الرومان زاد البعض صلابة, لكنه أوهن عزيمة البعض الآخر. فالأتباع الأكثر ضعفا تبنوا عقائدهم و أفعالهم ليتجنبوا بطشهم, فأدى ذلك إلى ظهور تناقضات و خصومات في صفوف أتباع المسيح عليه السلام.
شاؤول اليهودي يدعي اعتناق النصرانية و يتسمى ببولس
هنا تدخّل بولس, مرّة أخرى, و لعب دورا مهما في التوصل إلى تسوية لطخت صفاء نمط الحياة الذي دعا إليه المسيح. لقد أعلن بولس بشكل مفاجئ أنه رأى المسيح في رؤية فقرر أن يُصبح من أتباعه. رغم ذلك, انتظر 3 سنوات في جزيرة العرب و في دمشق قبل العودة إلى أورشليم (القدس) و يخبر الحواريين – الذين كانوا يُعرفون في تلك الفترة ب”الناصريين”- بمعجزته. كان الحواريون أقرب الناس إلى المسيح قبل أن يُرفع فلم يقتنعوا بصحة تحوّل بولس. شكوكهم ازدادت عندما شرع بولس –الذي لم يسبق له أن التقى بالمسيح أو جالسه- بممارسة عقيدة مخالفة بل و مناقضة لما سمعوه بآذانهم من المسيح نفسه. لكن بولس شرح هذا التناقض فيما بعد قائلا:
”فاعلموا, أيها الإخوة, أن البشارة التي بشّرتكم بها غير صادرة عن البشر. فأنا ما تلقيتها و لا أخدنها عن إنسان, بل عن وحي من يسوع المسيح”. (رسالة بولس إلى غلاطية 1 - 11/ 12)
الحواري يعقوب –سانتياغو- و موقف الحواريين من بولس
لم يستطع الناصريون تصديق أن المسيح لما كان على الأرض علّم حواريه ألاثني عشر ليدافعوا عن تعاليمه, ثم سحب هذا الاعتماد و بدّل تعاليمه الأصلية دون أن يُخبرهم, بل ما زاد الطين بلة و الطنبور غنة هو تكليفه لرجل لا يعرفونه. لم يٌقِم القديس يعقوب Santiago زعيم الناصريين بالقدس وزنا لأدلة بولس. ليس معروفا رابطة القرابة بين القديس يعقوب و المسيح عليه السلام, المعلوم أنه كان مقرّبا جدا منه, و حسب العهد الجديد, كان أحد أكثر الحواريين نشاطا و ممن يتكلمون دون مواربة أو خوف. لهذا سماه المسيح هو و يوحنا ”أبناء الرعد” Boanerges.
حسب أوزيبيو Eusebio , ظل يعقوب يتضرّع لأجل قومه فترة طويلة حتى تورّمت ركبتاه و صارتا كركبتي الجمل. عٌرف لإخلاصه و استقامته باسم القديس يعقوب البار, و هو أوّل أسقف للقدس, و إن كان هذا اللقب لم يٌستعمل بعد في تلك الفترة. كان إحدى الشخصيات الأكثر احتراما في القدس, و طُلِب منه في مرات عديدة إيقاف لسان بولس عند حده و إخراس عقيدته الجديدة حول المسيح. كان باختصار الواجهة الرئيسية للحواريين في صراعهم مع بولس. (4)
توسط برنابي لدى الحواريين لقبول بولس
من الممكن أن الناصريين كانوا لايزالون يتذكرون الاضطهاد الذي عانوا منه على يد بولس فنبذوه. لكن بفضل تأثير برنانبي تمّ قبوله أخيرا داخل الطائفة. ربّما اعتقد برنابي أن بولس سينتهي به المطاف بقبوله مذهبهم في العيش إذا رافق أولئك الذين تلقوا مباشرة من المسيح. لكن بولس الذي عَرف أن قبوله داخل المجموعة كان بسبب دعم برنابي و ليس عن جدارة و استحقاق, غادر الجماعة و عاد إلى بلدته طرسوس متذمرا.
خروج الحواريين من القدس.
رحل العديد من الأتباع المقربين للمسيح إلى أنطاكية فارّين من الاضطهاد اليهودي و الروماني. و قد انضمّ إليهم برنابي و أصبح زعيم هذه الطائفة المتنامية من الناصريين خارج القدس, فعضوا بالنواجذ على نمط عيش المسيح و بدؤوا يقبلون بينهم أناسا لم يكونوا يهودا. في هذه الفترة شرع استعمال كلمة ”نصراني”’’ cristiano’’, و كانت تستعمل كمسبة و احتقار أكثر منها وصفا.
¥