تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا المنهج في الكتابة -الجامع بين العاطفة الجليلة وتوخي الصدق والعدل- لا يُمل القارئ مهما طالت به القراءة، بل إنه يترك في نفس القارئ مشاعر قوية تهزه وتدفعه إلى التغيير من سلوكه وطرائق تعامله مع المجتمع بل ربما تدفع به إلى المشاركة في مجتمعه مشاركة نافعة.

ب. السرد:

المؤرخون القدامى إذا سردوا المادة التاريخية المراد الحديث عنها فإنهم غالباً ما يخلطونها بغيرها؛ وذلك نحو التراجم؛ وهي سير حياة الأشخاص -وهذا كثير في كتبهم- والأبيات الشعرية الكثيرة، والاستطرادات التي يخرجون بها عن موضوعهم الذي يسردونه إلى موضوع آخر ثم يعودون من قريب أو بعيد إلى موضوعهم الذي بدأوا به، وهذا مرهق لقراء التاريخ في عصرنا.

بينما يُحمد للمُحْدثين أنهم -لمراعاتهم المنهج العلمي الحديث- لا يقعون في هذا الخلط والتشتيت، وتجد كتبهم التاريخية حسنة السرد وقوية التركيز على ما يريدون إيراده.

جـ النقد:

إن النقد لما يورده المؤرخ أمر في غاية الأهمية؛ لأنه بالنقد يطمئن قارئ التاريخ لصحة المادة التي يقرأها وترتاح نفسه لمتابعة الاطلاع، وعكس هذا صحيح؛ إذ القارئ للكتاب الخالي من النقد والذي تكثر فيه الروايات الضعيفة أو الأساطير الموضوعة سيعزف عنه وتمله نفسه.

هذا وإن أكثر المؤرخين المحدثين يراعون مسألة النقد هذه، ولا يوردون الأساطير والمرويات شديدة الضعف، التي تورط فيها بعض ضعاف قدامى المؤرخين، لكنهم قد يبالغون فيستبعدون الوقائع الممكنة، ويردون الأحداث التي يرون أنها لا توافق ما يعتقدونه ويذهبون إليه.

ـ أما المؤرخون القدامى فكثير منهم لا ينقد الأخبار التي يوردها، ويعوض ذلك ما يُعرف بالتحقيق العلمي الجيد الحديث للكتب الذي يُنتظر منه نقد الأخبار والآثار نقداً يعوض تقصير المؤرخ في نقدها.

هذا وإن أعظم المؤرخين القدامى نقداً -في ظني- هو الإمام الذهبي الذي تتوافر المادة النقدية في كتبه التاريخية خاصة كتاب "سير أعلام النبلاء"، ثم يأتي بعده الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية".

ـ وليس النقد فقط هو المراد، إنما المراد هو النقد القائم على أسس شرعية صحيحة، وهذا لا يقوى عليه إلا مؤرخ له حظ وافر من العلوم الشرعية.

وقد كان أكثر المؤرخين القدامى علماء شرعيين؛ فلذلك كانت كتاباتهم موثقة ومعتدلة إلى حد كبير، فالإمام الطبري صاحب "تاريخ الأمم والرسل والملوك" كان إماماً مجتهداً عارفاً بالفقه والحديث والتفسير واللغة بل كان إماماً في كل ذلك، والإمام الذهبي صاحب الكتب التاريخية الكثيرة، والإمام ابن كثير صاحب "البداية والنهاية" كانا متضلعين من علوم الشريعة واللغة، وابن خَلِّكان صاحب "وفيات الأعيان" كان قاضياً، والصفدي صاحب "الوافي بالوفيات" كان عالماً بالشرع واللغة، وكذلك الإمام ابن حجر العسقلاني وكان قد صنف عدة كتب تاريخية، والإمام السخاوي كذلك، والإمام السيوطي لا يخفى كم ألّف من كتب تاريخية كثيرة، والإمام يعقوب بن سفيان الفَسَوّي صاحب "المعرفة والتاريخ"، وهكذا ...

ـ أما المؤرخون المحدثون فلا أعلم أن أحداً منهم عالم شرعي معتبر معروف، وبعضهم كان عالماً باللغة والأدب مثل الأستاذ محمود محمد شاكر المصري.

ولذلك كان لزاماً على من يريد التصدي لنقد الحوادث التاريخية أن يحوز قدراً جيداً من الثقافة الشرعية يستطيع به أن يميز الصالح من الطالح، ويحسن به الانتقاء والاختيار.

والحد الأدنى أن يكون عارفاً لطرائق تمييز الأخبار الصحيحة من السقيمة بموازين أهل الحديث، وأن يكون عارفاً للحلال والحرام على وجه الإجمال وليس التفصيل.

6. البعد عن المزالق التاريخية:

في التاريخ العديد من المزالق التي ينبغي عدم التركيز عليها، وتُستثنى من الفقرة الثانية المذكورة آنفاً، وعلى رأس ذلك الفتن التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم جميعاً فقد كان السلف يتجنبون الخوض فيها ويقولون هي فتنة جَنّب الله أيدينا منها فنكف ألسنتنا عنها، وكانوا يوصون في الكتب التي يكتبونها لبيان العقيدة الصحيحة بقولهم فيها: "ونكف ألسنتنا عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فأخبار الفتن هذه ينبغي الإعراض عنها تماماً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير