تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بأساليب الأدب وموضوعاته والآخر يتصل بلغته.

الرافعي يقود المعركة ...

كان من أوائل الرجال الهداة في هذه المعركة هو الفارس المجلّى والسيف اليماني المحلى الأستاذ الكبير مصطفى صادق الراّفعي عليه من الله أوفى الرّحمات وأسبغها.

لقد كان الرافعي كاتب الإسلام الأول في هذا العصر وفي هذه المعركة ومع أنه كان واحداً من كثيرين في هذه المعركة، ولكن الرافعي هو العلم المتميز بقوة العاطفة الهادرة وبأسلوبه الناري وقمعه الرادع وصلصلته المرنة التي لا تستمدّ رنينها من قوة الألفاظ وحدها، فالألفاظ في متناول الكاتبين جميعا، ولكنها تستمد قوتها مما وراء الألفاظ من روح غلاّبة قاهرة، هي روح البطل الجبار الذي يثق من قوته الحربيّة، ومهارته الفنية في حلبات الصّيال.

البداية:

تفتحت المعركة من كوَّةٍ فتحها رجل مستعرب أعمى الله بصيرته فخرق في الأمر خرقاً، هو الدكتور "طه حسين" حينما أراد أن يطبق مبدأ "الشك الدّيكارتي" الذي زعمه على القرآن فأعلن في مبحث الشعر الجاهلي أن ورود قصة إبراهيم - عليه السلام- في القرآن ليست كافية للدّلالة على وجود رجل حقيقي اسمه "إبراهيم"، وكان باب هذا الأمر الخطير مدخله عند هذا الرجل التشكيك بالشعر الجاهلي، وأنّ هذا الشعر إنّما هو صنيعة العصور الإسلامية، ولكنهم نحلوه للجاهلين .. وبالرغم من أن ارتباط مسألة نفي الحقائق التاريخية - التي وردت في القرآن- بالدين واضحة المعالم، إلا أن نفس صحة نسبة الشعر الجاهلي لما قبل الإسلام قد تبدو ضعيفة الصلة بالمسائل الدينية ولكنها في الحقيقة من أوثق الصلات بالقرآن الكريم، ذلك لأن الشعر الجاهلي يمثل حقيقة قوة أهله في البيان والبلاغة، والقرآن الكريم تحدّى العرب في أعظم قواها وملكاتهم وهي ملكة البيان والبلاغة، فإذا تمَّ نفي الدليل على هذه القوة والملكة سقط معنى التحدي الوارد في القرآن الكريم.

طه حسين في هذا الكتاب الذي أصدره سنة 1926 م صرح باعتماده على مبدأ "الشك الديكارتي" في مبحثه في أصول الشعر الجاهلي، وقال فيه: إنه للوصول إلى الحقيقة لا بد أن (يتجرد الباحث من حل شيء كان يعلمه من قبل وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذِّهن ممّا قيل فيه خلوّا تاماً)، وصرّح بأنه يجب علينا (حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى قوميتنا وكل مشخصاتنا، وأن ننسى ديننا وكلّ ما يتصل به، وأن ننسى ما يضاد هذه القومية وما يضاد هذا الدين، يجب أن لا نتقيد بشيء، ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح، ذلك أنّا إذا لم ننسى قوميتنا وديننا وما يتصل بها فسنضطر إلى المحاباة وإرضاء العواطف وسنغل عقولنا بما يلائم هذه القومية وهذا الدين، وهل فعل القدماء غير هذا؟ وهل أفسد علم القدماء شيء غير هذا؟) وفي نفيه لحقيقة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام- يقول: (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي).

إلا أن الشيء الذي كتمه ولم يعترف به أنَّ مسألة التشكيك بالشعر الجاهلي قد سرقها من المستشرق "مرجليوث".

وكان طه حسين يقوم بإلقاء هذه المفاهيم على طلبة السنة الأولى في كلية الآداب في الجامعة المصرية، وقبل أن تقوم العواصف الإيمانية ضد كتاب (في الشعر الجاهلي) وتتوالى الردود عليه من كل حدب وصوب بعد طباعته، كانت هناك قبل ذلك معركة خفية تدور رحاها داخل الجامعة في نَفْسِ شاب لم يكمل السّادسة عشر من عمره، كان هذا الشاب قد قرأ رأي "مرجليوث" الذي نشره في بحث بعنوان (أصول الشعر العربي)، وكان لـ "طه حسين" يد على هذا الشاب بإدخاله في كلية الآداب مع دراسته الفرع العلمي، ولكن الطالب وجد في أستاذه الخيانة للعلم ولحقِّ الكلمة، هذا الشاب كان الشيخ / محمود شاكر - رحمه الله تعالى-.

محمود شاكر يصف المحنة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير