وقال عنه الأستاذ محمد المبارك في مقدمة كتابه عن "الاقتصاد" من سلسلة "نظام الإسلام": "وهو عمل تنوء بمثله المجامع الفقهية، ويعتبر حدثا هاما في التأليف الفقهي". وقد تبنى مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ترجمته إلى اللغة الإنجليزية وأنهاها بالفعل. كما نقل إلى الأوردية والتركية والأندونيسية وغيرها، ككثير من كتب الشيخ نفع الله بها المسلمين في أقطار كثيرة. وقد عالجت كتبه الكثير من القضايا والموضوعات التي يحتاج إليها العقل المسلم المعاصر. كما خاضت كثيراً من المعارك الفكرية ضد خصوم الإسلام في الداخل والخارج. فعندما نادى اليساريون العرب بما أسموها "حتمية الحل الاشتراكي" وصدر بذلك "الميثاق" المصري، الذي سماه بعضهم "قراءة الثورة" تصدى القرضاوي للرد على هذا الاتجاه بإصدار سلسلة "حتمية الحل الإسلامي" الذي صدر منها ثلاثة أجزاء. وحينما وقعت نكبة 5 حزيران (يونية) 1967م التي سموها "النكسة" وزعم بعضهم أن الدين كان وراء هزيمتنا، أصدر القرضاوي كتابه "درس النكبة الثانية: لماذا انهزمنا وكيف ننتصر؟ ".
في معركة "الإسلام والعلمانية" أو معركة "تطبيق الشريعة" التي احتدمت في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت أصوات الجماهير تطالب بتحكيم الشريعة الإسلامية ووقف العلمانيون موقف العداء للتيار الإسلامي الشعبي المكتسح متخذين من وسائل الإعلام المتاحة لهم منابر لترويج باطلهم، وتزيين شبهاتهم، كان صوت القرضاوي من أعلى الأصوات التي فضحت أباطيلهم، وخصوصاً في الندوة التاريخية الشهيرة التي دعت إليها "نقابة الأطباء" في مصر، وعقدت بدار الحكمة بالقاهرة، ومثل الإسلاميين فيها الشيخان الغزالي والقرضاوي.
وكانت هذه الندوة أحد الأحداث الفكرية البارزة، وقد تحدثت عنها الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الشهرية في مصر وخارجها. وكان من أثرها كتاب "الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه" الذي رد على فؤاد زكريا وجماعة العلمانيين في مصر رداً علمياً موضوعياً، أسقط كل دعاويهم وأبطل كل شبهاتهم بالمنطق العلمي الرصين. وفي المعركة الأخيرة حول تحليل فوائد البنوك وما يلحق بها من شهادات، كان صوته من أعلى الأصوات وأقواها في مقاومتها، ومن ثمارها كتاب "فوائد البنوك هي الربا المحرم".
مجال الفقه والفتوى
ومن الجهود البارزة للدكتور القرضاوي جهوده في مجال الفقه والفتوى خاصة. فهو لا يلقى محاضرة، أو يشهد مؤتمراً أو ندوة إلا جاءه فيض من الأسئلة في شتى الموضوعات الإسلامية ليرد عليه، وردوده وأجوبته تحظى بقبول عام من جماهير المثقفين المسلمين، لما اتسمت به من النظرة العلمية، والنزعة الوسطية، والقدرة الإقناعية.
وقد أصبح مرجعاً من المراجع المعتمدة لدى الكثيرين من المسلمين في العالم الإسلامي وخارجه، ومن عرف الشيخ عن كثب سمع منه أنه يشكو من كثرة الرسائل والاستفتاءات التي تصل إليه، ويعجز عن الرد عليها، فهي تحتاج إلى جهاز كامل ولا يقدر عليها جهد فرد مهما تكن طاقته ومقدرته.
هذا إلى ما يقوم به من إجابات عن طريق المشافهة واللقاء المباشر، وفي أحيان كثيرة عن طريق الاتصال الهاتفي، الذي سهل للكثيرين أن يسألوه هاتفياً من أقطار بعيدة، بالإضافة إلى برامجه الثابتة في إذاعة قطر وتلفزيونها للرد على أسئلة المستمعين والمشاهدين.
وقد بين منهجه في الفتوى في مقدمة الجزء الأول من كتابه "فتاوى معاصرة". كما وضح ذلك في رسالته "الفتوى بين الانضباط والتسيب" الذي تعرض فيها لمزالق المتصدين للفتوى وجلاها مع التدليل والتمثيل.
وخلاصة هذا المنهج أنه يقوم على التيسير لا التعسير، والاعتماد على الحجة والدليل، والتحرر من العصبية والتقليد، مع الانتفاع بالثروة الفقهية للمذاهب المعتبرة، وعلى مخاطبة الناس بلغة عصرهم، والاهتمام بما يصلح شأنهم والإعراض عما لا ينفعهم، والاعتدال بين الغلاة والمقصرين، وإعطاء الفتوى حقها من الشرح والإيضاح والتعليل.
يكمل ذلك ما ذكره في كتابه "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، مع نظرات تحليلية في الاجتهاد المعاصر" الذي كشف فيه اللثام عن مزالق الاجتهاد المعاصر، وأبان عن المعالم والضوابط اللازمة لاجتهاد معاصر قويم.
¥