يقول الشيخ عن حفظ متون الحديث: «اقتصار بعض طلاب العلم على حفظ الصحيحين فقط، أو على حفظ السنن الأربعة فقط، هذا لا يكفي المحدّث. وربما بعضهم يحفظ الأسانيد، فهذا ضياع للوقت، لأن أسانيد الأحاديث موجودة في الكتب ولا حاجة إلى حفظها. وقد كان المتقدمون يحفظونها لأن الكتب لم تكن مطبوعة، فيحتاج إلى نقلها من مخطوطة، ولا يوجد غيرها». وهذا الذي ذكره شيخنا عن أسانيد الأحاديث، صحيح بالنسبة للفقيه. فلا يحتاج لحفظ الأسانيد طالما قد حفظ المتون وعرف صحتها وضعفها. لكن حفظ الأسانيد له أهمية كبيرة في معرفة علل الحديث، وإن كانت الفهارس والحواسب الآلية تساعد جداً في هذا العصر.
وفي هذا الموضوع يقول شيخنا: «الحاسوب آلة تسهل على الإنسان الرجوع الى المصادر ومعرفة وجود الحديث في الكتاب الفلاني. ولكن الحاسوب يرجع في الحديث إلى الألفاظ. فقد يكون الحديث الذي وردت فيه الكلمة غير الحديث المطلوب، وليس في هذا الموضوع. لذلك لابد من الرجوع إلى أهل هذا الفقه في معرفة الحديث والحكم عليه. إلا إذا كان الحديث بلفظه ومعناه وقد حكم عليه بعض أهل الفن المعروفين في هذا العصر، فلا بأس بالأخذ به».
إملاؤه الحديث وتدريسه:
أما التدريس فقد بدأ به في حلقة شيخه صالح الفرفور في علم التجويد كما تقدم، ثم عمل الشيخ مدرساً لعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف بين عامي (1373 - 1380، أي 1952 – 1959) في مدرسة «الإسعاف الخيري» بدمشق (التي درس فيها). وقد أدرك فيها شيخه في التجويد: المقرئ صبحي العطار –رحمه الله–.
وفي عام (1381هـ – 1960م) انتقل إلى المعهد العربي الإسلامي بدمشق، فدرَّس فيه القرآن والفقه. ثم انتقل إلى التدريس في معهد الأمينية إلى ما قبل سنتين تقريبا (من وفاته رحمه الله)، و منه إلى معهد المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني بدمشق. فكانت حصيلة شيخنا رحمه الله في التعليم والإمامة والخطابة خمسون سنة، قضاها احتسابا لله تعالى.
هذا بالإضافة إلى ذلك، فهو يقوم بتدريس ما يقارب الخمسين طالباً من مختلف بلدان الأرض مادة الحديث وغير ذلك. ويدرّس الألبان منهم بلغتهم الألبانية.
و قد قام الشيخ نفع الله به الأمة بتدريس جمع كبير من المصنفات، منها:
· كتب التوحيد و العقيدة.
· «الباعث الحثيث» شرح الشيخ أحمد محمد شاكر على مختصر علوم الحديث لابن كثير الدمشقي صاحب التفسير.
· «إرشاد طلاب الحقائق لمعرفة سنن خير الخلائق» للإمام النووي. و هو مختصر لكتاب ابن الصلاح، و اختصر منه «التقريب» الذي شرحه السيوطي في كتابه «تدريب الراوي».
· «قواعد التحديث في شرح فنون مصطلح الحديث» للشيخ السلفي جمال الدين القاسمي.
· «فتح المغيث في شرح ألفية الحديث» للحافظ السخاوي.
· «تدريب الراوي شرح تقريب النواوي» للسيوطي.
· «زاد المعاد» لابن القيم.
· «مختصر صحيح البخاري» للزبيدي مع شرحه «عون الباري» لصديق خان.
· «كفاية الأخيار» للحصني في الفقه الشافعي بالمعهد.
· «صحيح الأدب المفرد».
· «مختصر تفسير الخازن» للشيخ عبد الغني الدقر.
· و غيرها كثير.
وظائفه العلمية و نشاطه الدعوي ودفاعه عن السنة:
ولما كان الشيخ في الستين من عمره ومتمتعاً بقوة الشباب، كان يسافر إلى بلده كوسوفا، في يوغسلافيا كل عام عدة أيام داعياً إلى الله. وكان يلقي المحاضرات والخطب، ويعقد الندوات ويناقش الجانحين عن الحق باللغة الألبانية، مبيناً سبيل الهداية والرشاد، وداعياً الناس إلى جادة الصواب، للتمسك بالدين الحنيف، والعمل بسنة رسول الله r وترك البدع والشذوذ والضالات.
واستطاع الشيخ بفضل من الله أن يدخل إلى قلوب الناس بتواضعه ومحبته لهم وحسن أخلاقه. ولقد عرفه أهل دمشق وغيرها في خطبه على المنابر، وفي دروسه في المساجد، بجرأته على قول الحق وبمنهجه في الدعوة، ودفاعه عن السنة النبوية الشريفة، متسلحاً بالتقوى والإخلاص لله تعالى. وهو سلاحٌ يتسلح به كل داع إلى الله إذا أراد لدعوته أن تقوم لها قائمة أو تنشط من سبات.
وقد اتخذ الشيخ –حفظه الله– الدعوة إلى الله والدفاع عن السنة منهجاً في حياته. وتقلد الشيخ الوظائف العليَّة في ديننا، (لكنَّها عند أهل الدنيا ليست كذلك):
¥