1) فقد تقلّد الخطابة في سنة (1369هـ – 1948م) وكان عمره آنذاك عشرين (20) سنة، حيث كان خطيباً في جامع «الدّيوانية البَرَّانية» بدمشق، حيث بقي فيه خطيباً لمدة خمسة عشر (15) عاماً. وهناك تعرف على جاره الشيخ الألباني دون أن تكون له به صلة علمية وقتها.
2) ثم انتقل إلى منطقة «القَدَم» بدمشق، حيث قام ببناء مسجد فيها بمساعدة أهل الخير، وسماه جامع «عمر بن الخطاب». وعمل فيه إماماً وخطيباً لمدة عشر سنوات. و «القدم» حيٌّ في أطراف دمشق، يقول بعض العوام أن في تلك المنطقة أثر قدم رسول الله r، وهذا كذب إذ أنه في رحلته للشام في صغره لم يتجاوز بُصْرى، كما يعلم الجميع. والبعض يقول بأنها قدم موسى عليه السلام، وقد كذبهم ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم".
3) ثم انتقل إلى منطقة «الدحاديل» بدمشق، وكان خطيباً في جامع «الإصلاح» وبقي فيه مدة عشر سنوات.
4) ثم انتقل إلى جامع «المُحمّدي» بحيّ المِزَّة، وبقي فيه خطيباً ما يُقارب ثماني سنوات. و كنت أحضر فيه خطبه. (و «المِزَّة» كانت في الماضي قرية عند جبل يسمى باسمها في غوطة دمشق. وهي الآن من الأحياء الراقية في مدينة دمشق نتيجة التوسع العمراني). ثم منع الشيخ من الخطابة و غيرها سنة 1415، بسبب كلامه عن الاحتفال بعيد رأس السنة و ما ساقه في الخطبة من القول بكفر الصرب النصارى و غيره، فاشتكى عليه الصوفية العملاء و قالوا: إنه يكفر النصارى! (مع العلم أن هذا إجماع من العلماء، كما نقل ابن حزم والقاضي عياض). إلى أشياء أخرى لا نود ذكرها هنا.
5) لكن الشيخ بقي يلقي دروسه في معهد الأمينية (وهي مدرسة قديمة للشافعية، لها مبنى جديد في جامع الزهراء بالمزة). وبقي يقوم بالتدريس والوعظ ولا يترك مناسبة من زواج أو وفاة إلا ويتكلم فيها وينبه الناس إلى السنة الصحيحة ويدعوهم إلى ضرورة ترك البدع والمخالفات في الشريعة.
هذا مع انكبابه على التحقيق و التأليف –كما سيأتي الكلام عليه– و تدريسه العلم للناس و إلقاء المحاضرات. فالشيخ لا تكاد تمر حادثة أو مناسبة من عرس أو وليمة أو وفاة إلا و يقوم بتبيين السنة من البدعة، مرغباً في الأولى و مرهباً و محذراً من الثانية.
و خطابة الشيخ قَلَّ أن تجد لها نظيراً. فإنك لو حضرت له لم تلتفت عنه طرفة عين: يشُدّك بكلامه، و أسلوبِه في التعبير عمَّا يتكلَّم به. فكم من إشارةٍ كانت معبِّرةً عن المعنى أكثر من لفظها؟ هذا عدا طريقة كلامه: فالشيخ يعرف متى يرفع الصوت و متى يخفضه، في طريقة غاية في الجمال، إضافة إلى أن الشيخ جهوري الصوت. و لقد كان المسجد المحمدي يمتلئ بالمصلين في خطبة الجمعة، و كذا في مسجد عمر بالقدم.
و من الطرق التي يستعملها في خطبه أن يورد الحديث بذكر اسم الصحابي و من أخرجه و يترجم لهم ترجمة مختصرة جداً ثم يشرع في الشرح مستشهدا بالآيات و الأحاديث. و هذا كله في دقة و تناسب و تنسيق جميل. ثم بعد انتهاء الخطبة يجيب الشيخ على أسئلة السائلين، في الحديث و الفقه و التوحيد و غير ذلك. فلا تكاد تخرج من المسجد إلا و قد شحنت إيماناً و علماً. حقًّا إن من لم يحضر خطب الشيخ يراني مُبالغاً أو مغالياً، لكن هذه ليست شهادتي بل هي شهادة جميع من أعرفهم من أصحابي و غيرهم ممن كانوا يحضرون خطب الشيخ. و لقد كان الناس يتدفقون على المسجد المحمدي من كلّ فَجٍّ و صوب، يأتون إليه من أماكن بعيدة جداً لسماع الخطبة. و إذا حضرتَ فسمعت الشيخ: ذهب عنك ما تجده من تعب الطريق، و أعقب ذلك لذة إيمانية مما تسمعه من أحاديث الإيمان!؟
أسباب هذا العطاء العلمي:
مما لا شك فيه ولا ريب، أن توفيق الله سبحانه وتعالى كان فوق الأسباب كلها التي هيّأت للشيخ هذه الأعمال الكثيرة. فمن أسباب هذا العطاء العلمي:
1) تفرغه التام لخدمة السنة النبوية الطاهرة، وهدفه السامي من دعوته.
2) بعده عن الحياة العامة والمجاملات الاجتماعية الفارغة التي لا تليق بأهل العلم أصلاً.
3) المنهج المستقيم الذي اتبعه في حياته وهو منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وسلامة معتقده.
4) حبه لعلم الحديث النبوي الشريف ودأبه في المطالعة.
5) كثرة المراجع بين يديه، إذ لديه مكتبة عامرة بالكتب النافعة والمصنفات، وخاصة كتب علم الحديث.
¥