وكيف لايحزن الطلاب لفراق درسه وهو درس العلم والتواضع في وقت واحد فمرة حضر الشيخ ابن عثيمين فكان شيخنا كالتلميذ بين يديه ومرة حضر الشيخ ربيع المدخلي ففعل معه مثل الشيخ ابن عثيمين وتكلما في الدرس نيابة عنه ومع ماكان بينه وبين الشيخ ربيع وغيرهم كثير.
فلما حضر الداعية أحمد ديدات في المسجد وألقى موعظة بعد الدرس تكلم الشيخ والعبرة تختفه فقال (كأني بالشيخ أحمد ديدات هو وولده يطوف به البلدان ليرد على النصارى بموسى عليه السلام وهو يقول (إني لا أملك إلا نفسي وأخي فأفرق بيننا وبين القوم الفاسقين) ولما دافع عنه الشيخ ابن باز ما كان ليقرأ خطابه إلا ليهدِّي الشباب المندفعين من طلابه وماذا عساي أن أصف درساً عقد منه أكثر من ثلاثمائة وثلاثين مجلساً بعد العصر ونحو ذلك بعد المغرب.
لقد جلس لنا بعد العصر لتعليم العقيدة الصافية من كتاب شرح الطحاوية لابن أبي العز وجلس لنا بعد المغرب إلى العشاء للاجابة على أسئلة الطلاب.
ولم يكن درسه في شرح الكتاب فقط بل شرح كتباً لمسائل عارضة لتمام الفائدة فشرح لنا تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم وشرح كتاب كفر تارك الصلاة لابن عثيمين وشرح مقاطع طويلة من أضواء البيان وشرح أيضاً مقاطع من مختصر تفسير ابن كثير لأحمد شاكر والعرشية لابن تيمية وكثيراً ما اصطحب كتب ابن تيمية أو ابن القيم أو فتح الباري او غيرها.
لقد علمنا الحصر على السنة واتباع السلف فكان ربما يحضر شرح السنة للالكائي ويقرأ فيه التحذير من البدع وكلام السلف في ذلك في جو سني تعلوه المهابة لا زلت أذكره وقد جاءت كلمة (كفر محازي) بتاريخ 13/ 6/ 1411 برقم) 29).
فتكلم عن المجاز في درس كامل وبين أنه طاغوت أهل البدع ثم تكلم عن الفكر وأنواعه وأقسامه في دروس مطولة جداً بعد ذلك مباشرة.
فما كان ليترك لكمة تمر عبثاً أو هباءً منثوراً.
لقد حدثنا في مجلس كامل عجيب بتاريخ 2/ 12/ 141هـ برقم (187) عن الخوارج وأقسامهم وانواعهم من زمن على رضي الله عنه إلى عصرنا ما رأيت مثله في الايجاز والبيان.
ثم حدثنا في 13/ 2/ 1411هـ عن أشهر الفرق الاسلامية ورتب رؤوس الضلالة في تمكن بارع فجزاه الله خيرا.
ولقد علمه الطلاب جميعاً في درسه معنا حريصاً على إيصال المعلومة وكان معنا في غاية العلم وسعة الصدر وبخاصة أنه يشرح لنا في جدة ولايوجد بها جامعة أو كلية شرعية واحدة، ومع ذلك عندما جاءت مسائل القدر وخلق القرآن وكلام الله وصفات الباري جلاها بأبسط عبارة وأصفاها.
ولقد رأيت حيرة الطلاب وبخاصة في مسائل تسلسل الحوادث والقدر فما يزداد الشيخ إلا حرصاً على إفهامهم والجلوس معهم.
حتى تشربوا والله عقيدة السلف، ثم تنكر له طائفة منهم فما كان منه إلا الدعاء لهم والحرص على عودتهم وهدايتهم فسبحان الله أي رجل هذا.
كثيراً ما سمعت الطلاب يقولون إن فلاناً رد عليك فيقول جزه الله خيراً أو يدعو له ويقولون إن فلاناً سفه رأيك فيسكت ويدعوا له ويقولون إن الصحيفة الفلانية نشروا عنك كذا وكذبوا عليك في كذا فيقول نعرفهم من قديم، ثم يقول الطلاب مهلا ردت عليهم فيقول في كل مرة قد شغلت بأمر العلم والدعوة فلا أجد وقتاً للرد عليهم.
وهو جزاه الله خيراً والحق يقال يرد على من أخطأ ولايبالي بالدنيا بأسرها وربما عنف في القول وهو نادراً وكان صلباً في رده لاتأخذه لومة لأئم ومن أمثلة ذلك الرد على المالكي وعلى الصوفية والأشاعرة والمرجئة الذين لم يتفطن لهم أهل السنة إلا بعد أن رد عليهم ونكل بهم، وأشهد بالله مرة أخرى أنه كان يتفقد حال مخالفيه ويسأل عن أحوالهم وربما دع لأهلهم مبالغ مالية يجمعها من التجار ليسد عوزهم أو حاجتهم.
ومع أن يرد على خصومه فهو لايكثر التشغيب وإطالة الردود، بل ربما انجز رسالة صغيرة فتكون كقنبلة كبيرة ومن أشهر الأمثلة الرد على الاشاعرة فهي صغيرة في مبناها كبيرة في معناها شرق بها أرباب البدع والضلالة وهذه الرسالة الصغيرة كانت مقالة ثم نشرت في كتيب صغير ثم إن الشيخ وسعها في نحو مجلد كبير أعطاني صورة منه لو رأها الأشاعرة لجن جنونهم لهول ماجمع ونقل عنهم.
¥