تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلما جاء دوري، قبَّلتُ يده وجبهته، وقلت له: إنَّ الحديث الذى ذكرتموه في الجمعة الماضية – وسميتُه – قال عنه ابن القيم أنه موضوع.

فقال لى: بل هو صحيح، فلما أعدت عليه القول، قال كلاماً لا أضبطه الأن لكن معناه أن ابن القيم لم يُصِب في حكمه هذا، ولم يكن هناك وقت للمجادلة، لأن من فى الطابور ينتظرون دورهم!

ومما حزَّ فى نفسى أن الشيخ سألنى عن العلة فى وضع الحديث فلم يكن عندى جواب، فقال لى: يابنى! تعلم قبل أن تعترض، فمشيت من أمامه مستخذياً؛ كأنما ديكٌ نقرنى!

وخرجت من مسجد ((عين الحياة)) ولدىَّ من الرغبة في دراسة علم الحديث ما يجلُّ عن تسطير وصفه بنانى، ويضيق عطنى، ويكُّل عن نعته لسانى،

وكان هذ العلم آنذاك شديد الغربة، ولست أبالغ اذا قلت: إنه كان أغرب من فرس بهماء بغلس!!

وطفقت اسأل كل من ألقاه من إخوانى عن أحد من الشيوخ يشرح هذا العلم، أو يدلني عليه، فأشار على بعض إخوانى – وكان طالبا في كلية الهندسة – أن أحضر مجالس الشيخ محمد نجيب المطيعى رحمه الله تعالى وكان شيخنا - رحمه الله – يلقى دروسه فى (بيت طلبة ماليزيا) بالقرب من ميدان (عبده باشا) ناحية العباسية، وكان يشرح أربع كتب، وهي (صحيح البخارى) و (المجموع) للنووى، و (الاشباه والنظائر) للسيوطى، (إحياء علوم الدين) للغزالى، فوجدت في هذه المجالس ضالتى المنشودة، ودرتى المفقودة، فلزمته نحو أربع سنوات حتى توقفت دروسه بعد الإعتقالات الجماعية التى أمر بها أنور السادات و أنتهي الامر بمقتله في حادث المنصة الشهير، و رحل الشيخ - رحمه الله – إلى السودان، وظل هناك حتى توفى - رحمه الله – بالمدينه ودفن فى البقيع كما قيل لى. رحمه الله تعالي.0

و أتاحت لى هذه المجالس دراسة نبذ كثيرة من علمى أصول الحديث و أصول الفقه، و والله! لا أشطط إذا قلت: إننى أبصرت بعد العمى لما درست هذين العلمين الجليلين، و أقرر هنا أن الجاهل بهذين العلمين لا يكون عالما مهما حفظ من كتب الفروع، لأن تقرير الحق في موارد النزاع لا يكون الا بهما، فعلم الحديث يصحح لك الدليل، و علم أصول الفقه يسدد لك الفهم، فهما كجناحى الطائر.

ولم يكدر علي متعتي بدروس الشيخ المطيعي رحمه الله إلا حطه علي الشيخ الالباني صاحب الفضل على بعد الله عز وجل، وكان ذلك بعد حادثة طويلة الزيل ملخصها: أمن شيخنا المطيعى - رحمه الله – كان يتكلم عن قضاء

الفوائت، و أن من لم يصل ولو لسنوات، فيجب عليه القضاء، و أطال البحث في ذلك. فقلت له – ولم يكن عندي علم بمن يقول بغير هذا المذهب من القدماء – قلت: إن الشيخ الألبانى يقول: ليس هناك دليل على وجوب القضاء. فقال لى بلهجة. علمت بعد ذلك بزمانٍ انه كان يقولها تهكماً: من الألباني؟ فقلت له: أحد علماء الحديث.

قال: لعله أحد أصحابنا الشافعية؟

قلت: لا أدري، لكنه معاصر لنا، وقد علمت انه لا يزال حيا.

فقال لي حينئذٍ: دعك من المعاصرين.

وكانت هذه أول مرة أسمعه يتكلم عن الألباني، ثمَّ توالي السيلُ.

ثم جاء الشيخ الألباني الى مصر فى حدود سنه (1396هـ) أو بعدها بقليل، وألقى محاضرة في المركز العام لجماعة أنصار السنة في عابدين، وكانت محاضرته عن تخصيص السنة لعام القرآن، وتقيدها لمطلقه، وذكر من أمثلة ذلك الذهب المحلَّق.

ولم يكن عندي علم بمحاضرة الشيخ ولا وجوده، فرحل ولم أره، وكان إحدى أمانىَّ الكبار أن ألتقى به، ولم يتحقق لى ذلك إلاَّ بعد زمان طويل وذلك فى أول المحرم سنة (1407 هـ) وكان قد طبع لى بعض الكتب منها " فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب " و كنت فى هذه الفترة أتتبع كل أخبار الشيخ فكانت تصلنى أخبارٌ عن شدته على الطلبة وقسوته عليهم، و اعتذاره عن التدريس بسبب ضيق الوقت و ارهاق الدوله له، فكدتُ أفقدُ الأملُ حتى قيَّض الله لى أن ألتقي بصهر الشيخ – الأخ نظام سكجّها – فى فندق بحيّ الحسين بالقاهرة، فسألتُه عن الشيخ و إمكان التتلمُذ

عليه، فأخبرنى أن ذلك متعذرٌ، ولكن تعال وجرِّبْ!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير