تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخَفِّضُهم حتى سكتوا وسكت .. )). وفى حديث ابن عمر: " وقام سعد بن معاذ فسلَّ سيفه ".

قُلْتُ: فهذا التوتر الشديد الذى وقع بين الصحابة حتى كادوا أن يقتتلوا - مع أنهم ضربوا أروع الأمثلة فى المحبة والوفاء والإثار- يدلك على حجم المحنة التى عانوها، ولم يكن المقصود الأوَّل فى هذه المحنة هو إتهام عائشة رضى الله عنها، بقدر ما كان طعنا على النبى صلى الله عليه وسلم، وأن تحته امرأة يزن بها، ومع أن الزنى دون الشرك فى الإثم، إلا أن الزنا عار، ولذلك لا يعير أحد بأن أباه كافر، أو ابنه، فقد كان والد إبراهيم عليه السلام كافراً، ولم يعير به، وكان ابنُ نوح وامرأته كافرين، ولم يعير بهما، وكانت امرأة لوط كافرة، ولم يعير بها، بخلاف الزنى فإنه عار وشنار على أهله فى الدنيا قبل الآخرة. إن إسقاط ((الرمز)) أقلُّ مؤنةٍ على المنافقين من إحداث الشَّغَبِ فى المجتمع كلِّه،

لأن إسقاط الرمز فيه إهدارٌ لكل المبادىء التى يدعو اليها والمثل العليا التى يدندن حولها. وبعد هذا المعنى الذى جلًّيتُه لك، تستطيع أن تدرك لما ثار علماءُ المسلمين فى تركيا لما فرض كمال أتاتورك – قاتله الله – القبعة بدلا من العمامة؟ وقد جرت محاكمات لعلماء المسلمين، فكان مما حدث أن قاضى المحكمة قال لأحد العلماء: ما أتفهكم يا علماء الدين، لم هذه الثورة؟ أمن أجل أننا استبدلنا القبعة بالعمامة؟ وما الفرق بينهما، فهذا قماش وهذا قماشٌ. فقال له العالم: أيها القاضى! إنك تحكم علىَّ وخلفك علم تركيا،فهل تستطيع أن تستبدله بعلم إنجلترا وهذا قماش، وهذا قماش؟! فبهت القاضى الظالم، ولم يُحِرْ جواباً. ولو تأملت الطواف حول الكعبة، والسعى بين الصفا والمروة ورمى الجمار، فهذا كلُّه إحياءٌ للرمز، لنأخذ منه العبرة. ومما يجدر أن نلفت النظر اليه، وهو يتعلق بقضية ((الرمز))، وفيه عبرةٌ – أيما عبرة – أن شيخنا الألبانى حفظه الله كان قد سئل منذ سنتين من بعض شباب فلسطين، قالوا له: إننا نلقى شدة وعنتا فى عبادة الله مع وجود اليهود فى أرضنا، حتى أن الواحد منا لا يكاد يصلى من الخوف على نفسه، فما الحلُّ؟ قال الشيخ: اخرجوا من بلادكم إلى أماكن أخرى تقيمون فيها دين الله عز وجل، وأعدوا أنفسكم لترجعوا إلى بلادكم فاتحين فاستغلَّ جماعة من أهل الأهواء هذه الإجابة وأشاعوا بين العوام الطغام أن الشيخ يوجب على أهل فلسطين من العرب المسلمين أن يخرجوا ويتركوا أرضهم لليهود، وقا مت الدنيا ولم تقعد زماناً طويلاً، وكاد الشيخ أن يطرد من " عمان " بسبب هذه الفتوى التى حرفوها، وتلقفت هذه الفتوى المحرفة إذاعة إسرائيل، فقدم المذيع ترجمة للشيخ الألبانى وذكر أنه أكبر محدث فى العالم الإسلامى وقد أفتى بكذا وكذا، فسمع بعض إخواننا ممن كنت أظنه من أهل التحرى هذا الثناء والفتوى من إذاعة إسرائيل ثم جاءنى وقال:

أنا عاتبٌ على الشيخ الألبانى كيف أفتى بكذا وكذا؟ فقلت له: ومن أين سمعت الفتوى؟ قال: من إذاعة إسرائيل!

قلت: سبحان الله! أيتهم الشيخ الثقة العدل عندك بنقل يهودىّ؟ ما لكم، وأين ذهبت عقولكم؟ وكان ينبغى ألاَّ تتوقف فى تكذيب اليهودى، ثم تنظر الى حقيقة الأمر، هذا هو الأصل، وقد قال الله تعالى: ? إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا? فكيف بالكافر المحارب، الذى يستغل مثل هذا التحريف الذى تولى كبره نفرٌ ممن ينتسبون إلى بعض الأحزاب الإسلامية، ليسقط ((الرمز)

وماذا يكون لو أسقطنا الشيخ الألبانى، والشيخ ابن باز ومن على شاكلتهما من العلماء العاملين، هل يريدون أن تكون أمَّتُنَا ثُلَّةً من الغلمان بلا رُءوس؟ ويرحم الله أبا حنيفة إذ مر على جماعة يتفقهون، فقال: ألهم رأسٌ؟ قالوا: لا. قال: إذن لا يفلحون أبدا.

أخرجه الخطيب فى " الفقيه والمتفقه " (790)

ولله درُّ القاضى عبد الوهاب بن على المالكى رحمه الله إذ يقول:

متى يصلُ العِطاشُ الى ارتواءٍ إذا استَقَتِ البحارُ من الرَّكايَا

ومن يُثْنِى الأصاغِرَ عن مُرادٍ إِذا جلس الأكابرُ فى الزَّوايَا

وإنَّ ترفع الوضَعَاء يوماً على الرُّفَعَاء من إحدى الرَّزَايَا

إذا استوتِ الأسافلُ والأعالى فقد طابت مُنَادَمَةُ المَنَايا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير