تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أجل إعادة الأمر

إلى قصده ومحبوبه واجبٌ على كل من له حقٌّ عليه، - والعلم رحمٌ بين أهله -، إذ لم يكن أحدٌ من هؤلاء الأئمة معصوما من الزلل، ولا آمنا من مقارفة الخطل، وإن كان ما يتعقب به عليهم لا يساوى شيئا فى جنب ما أحرزوه من الصواب، فشكر الله مسعاهم، وجعل الجنة مأواهم، وألحقنا بهم بواسع إحسانه ومنِّه، وحسبنا أن نسوق على كل مسألة دليلها العلمى حتى لا نرمى بسوء القصد، أو بشهوة النقد.

وأنا عندما نبهت على أشياء ركب فيها بعض المتقدمين أو المتأخرين خلاف الصواب، وتجلد بعضهم فيها، حتى ضاق عطنه عن تحرير الجواب، ما كنت بطاعن فى أحد منهم، ولا قاصد بذلك تنديدا له، وإزراءً عليه، وغضًّا منه، بل استيضاحا للصواب، واسترباحًا للثواب، مع وافر التوقير لهم والإجلال، إذ ((ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ فى أصول نخلٍ طوالٍ)) (1) وأنا مع وضعى هذا الكتاب، ما أبرىء نفسى ولا كتابى من الخطأ الذى لا يكاد يخلو منه تصنيف، ولا يخلص من توغله تأليفٌ، وأنا أعوذ بالله – بارىء النسم-، من كل ما طغى فيه القلم، وجرى منى على الوهم وأعوذ به من كل متكلف يتتبع فيه علىَّ العثرات، ويحصى ما وقع فيه من الفلتات، وجل همه إظهار الغلطات، وطى الحسنات، مع أنه لو أراد إنسانٌ أن لا يخطىء فى شىء من العلم لما حصل مراده مهما فعل وهيهات، فليس إلى العصمة من الخطأ سبيل، إلا بتفضل رب الأرض والسموات. بل إنى أعترف فيه بكمال القصور، وأسأل الله الصفح عما جرى به القلم بهذه السطور، وأقول للناظر فى كتابى هذا: لا تأخذن فى نفسك على شيئا وجدته فيه مغايرا لفهمك،

(1) هذا قول أبى عمرو بن العلاء،رواه عنه الخطيب فى مقدمة ((موضح الأوهام)) (1/ 5).

فإن الفهوم تختلف، ولقلما تتفق العقول كلها وتأتلف، ولولا اختلاف الأنظار لبارت السلع، وهدمت صوامع وبيع، فإن رمت الوقوف على زلةٍ لى فى مثل هذا العمل الذى هو كالبحر العَيْلَم، فلا شك أنك واجدٌ، وليس هذا مما يستحيا منه، بل هو من المحامد، والسعيد من عدت غلطاته، وحسبت سَقَطاته، وأحصوا عليه هَنَاته لأن هذا يدل على ندرتها بجنب حسناته والجواد يكبو، والنار – بعد أَوَارِها – تخبو، والصارم ينبو، والفتى قد يصبو. ولا يخفى عليك أن التعقب على الكتب الطويلة سهلٌ بالنسبة لتأليفها، ووضعها وترصيفها، كما يشاهد فى الأبنية القديمة، والهياكل العظيمة، حيث يعترض على بانيها مَنْ عَرَى فَنَّه القوى والقدر، بحيث لا يقدر على وضع حجرٍ على حجرٍ! فهذا جوابى، عما ورد فى كتابى، فلربما كان اعتراضك بعد هذا البيان من تجاهل العارف، وإلاَّ فلا يخفاك أن الزيوف تدخل على أعلى الصيارف، أما إنكار المشار إليه أن يكون عند المتأخر ما ليس عند المتقدم، فتلك شِنْشِنَةٌ نعرفها من أخزم!! وكما يقول ابن قتيبة - رحمه الله -: ((قد يتعثر فى الرأى جلة أهل النظر، والعلماء المبرزون، الخائفون لله الخاشعون. ولا نعلم أن الله تعالى أعطى أحداً موثقا من الغلط وأمانا من الخطأ، فنستنكف له منه، بل وصل عباده بالعجز، وقرنهم بالحاجة، ووصفهم بالضعف، ولا نعلمه تبارك وتعالى خص بالعلم قوما دون قوم، ولا وقفه على زمن دون زمن بل جعله مشتركا مقسوما بين عباده، يفتح للآخر منه ما أغلقه عن الأول، وينبه المُقِلُّ منه على ما أغفل عنه المكثر، ويحييه بمتأخر يتعقب قول متقدم، وتالٍ يعترض على ماضٍ، وأوجب على كل من علم شيئا من الحق أن يظهره وينشره، وجعل ذلك زكاة العلم، كما جعل الصدقة زكاة المال)) ا هـ.

وصدق أبو العباس المبرد إذ قال فى " الكامل "، وهو القائل المحق: ليس لقدم العهد يُفَضَّل القائل، ولا لحِدْثَانه يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق. ا هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير