تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتواكبت هذه النهضة الإصلاحية التعليمية مع دعوات مقاومة الاستعمار الفرنسي، فكانت أطروحات تلك الحقبة من التاريخ ذات صبغة إصلاحية تجديدة شاملة تنطلق من الدين نحو إصلاح الوطن والمجتمع، وهو ما انعكس على تفكير ومنهج رواد الإصلاح في تلك الفترة التي تدعمت بتأسيس الصحافة، وصدور المجلات والصحف التي خلقت مناخًا ثقافيًا وفكريًا كبيرًا ينبض بالحياة والوعي والرغبة في التحرر والتقدم.

حفظ الطاهر القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفرنسية، والتحق بجامع الزيتونة سنة (1310هـ = 1892م) وهو في الـ14 من عمره، فدرس علوم الزيتونة ونبغ فيها، وأظهر همة عالية في التحصيل، وساعده على ذلك ذكاؤه النادر والبيئة العلمية الدينية التي نشأ فيها، وشيوخه العظام في الزيتونة الذين كان لهم باع كبير في النهضة العلمية والفكرية في تونس، وملك هاجس الإصلاح نفوسهم وعقولهم فبثوا هذه الروح الخلاقة التجديدية في نفس الطاهر، وكان منهجهم أن الإسلام دين فكر وحضارة وعلم ومدنية.

سفير الدعوة ..

محمد الطاهر بن عاشور بين طلابه

تخرج الطاهر في الزيتونة عام (1317هـ = 1896م)، والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق، ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى عين مدرسًا من الطبقة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة (1324هـ = 1903م).

وكان الطاهر قد اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (1321هـ = 1900م)، وكان لهذه التجربة المبكرة في التدريس بين الزيتونة -ذات المنهج التقليدي- والصادقية -ذات التعليم العصري المتطور- أثرها في حياته، إذ فتحت وعيه على ضرورة ردم الهوة بين تيارين فكريين ما زالا في طور التكوين، ويقبلان أن يكونا خطوط انقسام ثقافي وفكري في المجتمع التونسي، وهما: تيار الأصالة الممثل في الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل في الصادقية، ودون آراءه هذه في كتابه النفيس "أليس الصبح بقريب؟ " من خلال الرؤية الحضارية التاريخية الشاملة التي تدرك التحولات العميقة التي يمر بها المجتمع الإسلامي والعالمي.

وفي سنة (1321 هـ = 1903 م) قام الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثانية لتونس التي كانت حدثا ثقافيا دينيا كبيرا في الأوساط التونسية، والتقاه في تلك الزيارة الطاهر بن عاشور فتوطدت العلاقة بينهما، وسماه محمد عبده بـ "سفير الدعوة" في جامع الزيتونة؛ إذ وجدت بين الشيخين صفات مشتركة، أبرزها ميلهما إلى الإصلاح التربوي والاجتماعي الذي صاغ ابن عاشور أهم ملامحه بعد ذلك في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام". وقد توطدت العلاقة بينه وبين رشيد رضا، وكتب ابن عاشور في مجلة المنار.

آراء .. ومناصب

عين الطاهر بن عاشور نائبا أول لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونة سنة (1325 هـ = 1907م)؛ فبدأ في تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية، وأدخل بعض الإصلاحات على الناحية التعليمية، وحرر لائحة في إصلاح التعليم وعرضها على الحكومة فنفذت بعض ما فيها، وسعى إلى إحياء بعض العلوم العربية؛ فأكثر من دروس الصرف في مراحل التعليم وكذلك دروس أدب اللغة، ودرس بنفسه شرح ديوان الحماسة لأبي تمام.

وأدرك صاحبنا أن الإصلاح التعليمي يجب أن ينصرف بطاقته القصوى نحو إصلاح العلوم ذاتها؛ على اعتبار أن المعلم مهما بلغ به الجمود فلا يمكنه أن يحول بين الأفهام وما في التآليف؛ فإن الحق سلطان!!

ورأى أن تغيير نظام الحياة في أي من أنحاء العالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم العقلية، ويستدعي تغيير أساليب التعليم. وقد سعى الطاهر إلى إيجاد تعليم ابتدائي إسلامي في المدن الكبيرة في تونس على غرار ما يفعل الأزهر في مصر، ولكنه قوبل بعراقيل كبيرة.

أما سبب الخلل والفساد اللذين أصابا التعليم الإسلامي فترجع في نظره إلى فساد المعلم، وفساد التآليف، وفساد النظام العام؛ وأعطى أولوية لإصلاح العلوم والتآليف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير