تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اكتسب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثقافة واسعة شملت التفسير والحديث والقراءات ومصطلح الحديث والبيان واللغة والتاريخ والمنطق وعلم العروض وأعمل فكره فيما حصله وتوسع في ذلك وحلله. فقد تخرج على أيدي ثلة من علماء عصره امتازوا بثقافة موسوعية في علوم الدين وقواعد اللغة العربية وبلاغتها وبيانها وبديعها إلى جانب قدرة على التبليغ ومعرفة بطرق التدريس والتركيز على تربية الملكات في العلوم ومن أشهرهم الشيخ محمد النجار والشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد النخلي والشيخ محمد بن يوسف والشيخ عمر بن عاشور والشيخ صالح الشريف رحمهم الله تعالى جميعا.

وإذا تصفحنا حياة هؤلاء الأعلام وجدناها حياة علمية زاخرة حافلة بجلائل الأعمال قد أعطوا الحياة التونسية عطاء جزيلا في الدين والاجتماع والأدب والسياسة وهؤلاء النبغاء وإن لم يتركوا مؤلفات ضخمة إلا أنهم تركوا تلاميذ شهدوا لهم بطول الباع في نقد الآثار والمناهج وتتبع الهنات اللغوية، وقد كان الشيخ بوحاجب أخصائيا في علوم اللغة والنحو والبلاغة والأدب.

والأستاذ عمر بن الشيخ ماهرا في الفقه والمنطق والكلام والفلسفة. والشيخ محمد النجار كان جامعا لشتى العلوم التي تدرس بجامع الزتونة. [7]

وهؤلاء العلماء الذين تتلمذ عليهم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور كانوا ثمرة لمصلحين أسهموا الحياة التونسية إسهاما جليلا على شتى المستويات الأدبية والاجتماعية أمثال الشيخ إبراهيم الرياحي وإسماعيل التميمي والوزير خير الدين باشا صاحب أقوم المسالك والشيخ محمود قبادو. ولقد كان هؤلاء العلماء زعماء المدرسة الإصلاحية التونسية، وكانت فرعا مهما للمدارس الإصلاحية التي نشرت في العالم الإسلامي كالمدرسة الدهلوية والمدرسة الوهابية والمدرسة الأفغانية – نسبة إلى جمال الدين الأفغاني – وهذه المدرسة إلى جانب المدرسة المغربية تتفق مع مدارس العالم الإسلامي في الأسس والمبادئ وتختلف عنها في الأساليب والطرائق. بيد أنها تلتقي جميعا حول هدف موحد هو مقاومة التخلف المزري الذي تردى فيه المسلمون بالرغم من أن دينهم دين الفكر والحضارة والعلم والمدنية [8].

5 - تأثره بمفكري عصره

لقد كان للحركة الإصلاحية التي تزعمها السيد جمال الدين الأفغاني وتابعها تلميذه الشيخ محمد عبده صداها البعيد في العالم الإسلامي، فقد فتحت بصائر الناس وحركتهم عن طريق مجلة العروة الوثقى والزيارات المتتابعة للبلدان الإسلامية من قبل الشيخين الأفغاني ومحمد عبده. وفي هذا النطاق تتدرج زيارتي الشيخ محمد عبده إلى تونس الأولى كانت سنة 1885م وكان عمر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثماني سنوات. والأرجح أن مترجمنا لم يتطلع إلى هذه الآراء الإصلاحية بعد نظرا لصغر سنه.

أما الزيارة الثانية لمفتي الديار المصرية فكانت سنة 1903م/1321هـ وكان عمر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثلاث وعشرين سنة وهو يشغل خطة مدرس من الطبقة الثانية وقد نجح في هذه الخطة في نفس هذه السنة [9].

فهو في مقتبل العمر وقد نضجت أفكاره وتشبع وقرأ كثيرا من آرائه، وتشوفت نفسه للقاء هذا المصلح الكبير. وتحقق له ذلك فقد حل محمد عبده ضيفا بالمرسى عند الوزير خليل أبو حاجب بقصره المعروف [10]. وقد عقدت مجالس علمية بين الشبخ محمد عبده وبين مفكري البلاد التونسيين. وكان الشيخ الأستاذ ابن عاشور لا يتخلف عنها وكان من بين الذين تقدموا للأستاذ الإمام باقتراح يطلبون فيه منه بأن يلقي درسا بالجمعية الخلدونية وكان عضوا بمجلسها الإداري، وقد كان له ذلك وألقي الدرس في جمادى الثانية سنة 1321هـ/ سبتمبر 1903م [11].

ولم يقتصر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على اجتماعه بمصلحي الشرق فحسب بل اجتمع بمفكري العالم الغربي من ذلك اجتماعه بالمستشرق اوبنهايم المعروف بمناهجه الفلسفية والدينية ومقارنة الأديان والمذاهب وأصولها ومبادئها. وله في هذا المجال باع ولقد فاجئني في كتابه» أليس الصبح بقريب «بإشاراته الباهرة إلى مفكري الغرب ونظرته لأفكارهم بعين النقد، يوحي إليك من خلالها أنه متمكن من اللغة الفرنسية على أقل شيء [12].

6 - إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير