تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بدأ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بمساعدة ثلة من الأنصار الأوفياء في تخطيط مراحل الإصلاح وتطبيق النظم التي يراها كفيلة بتحقيق الهدف الذي يصبو إليه للخروج بهذا المعهد العظيم من كبوته [13] بعد أن تكلم عن أساليب التعليم "الزيتوني" ومناهجه بلسان النقد في كتابه» أليس الصبح بقريب «الذي ألفه سنة 1907م – 1321هـ والذي ضمنه رؤيته للإصلاح وحدد فيه أسباب تخلف العلوم مصنفا كل علم على حدة واعتبر أن إصلاح حال الأمة لا يكون إلا بإصلاح مناهج التعليم والقيام على هذا الجانب، كتب كتابه هذا وعمره لم يتجاوز الخمسة وعشرين سنة مما يدل على أن هذا الشيخ الجليل كرس حياته للنهوض بالجامع الأعظم وبالتالي على مكمن الداء في تخلف الأمة، ولئن أحس الشيخ بجسامة المهمة والبون الشاسع بين واقع المسلمين وما وصلت إليه الأمم الغربية من امتلاك أسباب النهضة والرقي إلا أنه لم يدخر جهدا ولم يثن عزما في السير في هذا الطريق المليء بالأشواك.

لقد شملت عناية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم. وقد اهتمت لجان من شيوخ الزيتونة بتشجيع منه بهذا الغرض. ونظرت في الكتب الدراسية على مختلف مستوياتها وعمل الشيخ على استبدال كتب كثيرة كانت منذ عصور ماضية تدرّس وصبغ عليها قدم الزمان صبغة احترام وقداسة موهومة.

لقد حرص الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على خاصتي التعليم الزيتوني: الصبغة الشرعية واللغة العربية وللوصول إلى هذا الهدف لابد من تخصيص كتب دراسية شهد لها العلماء بغزارة العلم وإحكام الصنعة وتنمية الملكات في التحرير ليتخرج من "الزيتونة" العالم المقتدر على الخوض فيما درس من المسائل وتمحيصها ونقدها. ولتحقيق هذه الأهداف دعا الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المدرسين إلى التقليل من الإلقاء والإكثار من الأشغال التطبيقية. حتى تتربى للطالب ملكة بها يستقل في الفهم. ويعول على نفسه في التحصيل على ثقافته العامة والخاصة. وقد حث المدرسين على نقد الأساليب والمناهج الدراسية واختيار أحسنها أثناء الدرس ومراعاة تربية الملكة، بدل شحن العقل بمعلومات كثيرة قد لا يحسن الطالب التصرف فيها. فكانت دعوته للإصلاح ذات بعدي التنظير والتطبيق الميداني.

- تطور العلوم

يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه» أليس الصبح بقريب «– إيذانا منه بقرب النصر واستعادة الأمة مجدها وتخلصها من المستعمر الفرنسي الذي باغتها في عقل دارها-:" رأيت الذي يطمع في البحث عن موجبات تدلي العلوم يرمي بنفسه إلى متسع ربما لا يجد منه مخرجا في أمد غيره طويل، وأيقنت أن لأسباب تأخر المسلمين عموما رابطة وثيقة بأسباب تأخر العلوم" [14]. أحس الشيخ ابن عاشور بقيمة العلم في سبيل نهوض الأمة وحاول من خلال كتابه المذكور أن يقدم بديلا لما ساد في أوساط الجامع المعمور من مناهج لتدريس الطلبة العلوم الشرعية التي توارثها الأجيال أبا عن جد دون نظر وإعمال للرأي ومكنت الغرب بالتالي من استحكام سيطرته على العالم الإسلامي والقطر التونسي جزء منه.

وقبل أن يسرد سببين رئيسيين لتأخر العلوم ويزيد عليهما خمسة عشر سببا فرعيا، قدم نظرته إلى العلوم ورسم منهجه في التعامل مع العلم وأطواره، فقسم العلوم قسمين من جهة ثمرتها:

I- ما تنشأ عنها ثمرة هي من نوع موضوعات مسائله، كعلم النحو فثمرته تجتنى منه وهي ثمرة لفظية محضة.

II- ما يبحث عن أشياء لا لذاتها بل لاستنتاج نتائج عنها مثل علم التاريخ والفلسفة والهندسة النظرية وأصول الفقه وغيرها، فبالتاريخ يستعين مزاوله على عقل التجارب وتجنب مضار الحضارات والأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة، والفلسفة تنير العقل وتدربه على فتح أبواب الحقائق وهاته الأشياء لا تقرأ في الفلسفة وإنما يتعودها الذهن في ضمن ممارساته ومثل ذلك علم البلاغة وجميع العلوم البرهانية النظرية، وأصول الفقه في فلسفة الاستنباط.

يضيف في كتابه» أليس الصبح بقريب «ليقول كلمته الحاسمة في التعامل مع العلوم بمنطق النقد والتطوير دون الخروج عن أدب الالتزام بمناهج القدماء من سلف الأمة، فيقول:" وإن أطوار العلوم في الأمة تشبه أطوارها في الأفراد ذلك أن العلم في الأمة كما هو في الفرد له أربعة أطوار:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير