تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من الطعوم ما يضر تناوله بالبدن أو العقل كالسموم والخمور والمخدرات كالأفيون والحشيشة المخدرة، وما هو نجس الذات بحكم الشرع، وما هو مستقذر كالنخامة وذرق الطيور وأوراث الأنعام، وما عدا ذلك لا تجد فيه ضابطا للتحريم إلا المحرمات بأعيانها. وما عداها فهو في قسم الحلال لمن شاء تناوله. والقول بأن بعضها حلال دون بعض بدون نص ولا قياس هو من القول على الله بما لا يعلمه القائل، فما الذي سوغ الظبي وحرم الأرنب، وما الذي سوغ السمكة وحرم حية البحر، وما الذي سوغ الجمل وحرم الفرس، وما الذي سوغ الضب والقنفذ وحرم السلحفاة، وما الذي أحل الجراد وحرم الحلزون، إلا أن يكون له نص صحيح، أو نظر رجيح، وما سوى ذاك فهو ريح."

وما قيل في مجال المطعومات يقال في سائر المجالات وكافة التصرفات والمعاملات، لا تحريم إلا ما حرمه الله باسمه أو حرمه بصفته (الخبائث والمضار)، ولا تقييد إلا من طريق معقول ومصدر مشروع.

وبسبب ما خيم على هذه القاعدة من تشكيك وتشويش نظري، ومن إغفال أو إهمال عملي، فقد أصاب المسلمين عنت كبير، في فكرهم وفقههم وحياتهم. ففي مجال المكاسب والمهن والمعاملات المالية، - وقد جد منها في حياة المسلمين، في ديارهم وفي غير ديارهم، ما لا يحصى n نجد لدى كثير من المفتين والدعاة والواعظين نزوعا شديدا نحو التضييق والتحريم والتعسير، حتى ليبدو أن القاعدة عندهم هي أن الأصل في الأشياء التحريم، وأن كل جديد فهو متهم. ويحسبون أن هذا قوة في العلم، وقوة في الدين، وقوة في التقوى، وما هو إلا ضعف في النظر، وضعف في التمييز، وضعف في التحرر الفكري.

وقد أدى هذا النظر المقلوب إلى حرمان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مما لا يحصى من فرص الكسب والإنتاج والتطور والتقدم والتأثير والتغيير، في المجالات الاقتصادية والسياسية والمهنية والتعليمية والإعلامية والفنية، وسائر مجالات الحياة ... فكان شأن هؤلاء المفتين أشد وأسوأ من أولئك الذين قال عنهم ابن القيم "أفسدوا بذلك كثيرا من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله ... ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله."

وأختم هذه القاعدة بذكر هذا الأنموذج. فقد كنت سنة 1997 في بلد عربي، وتحدثت مع بعض قادة الحركة الإسلامية هناك عن الانتخابات البرلمانية التي كانت وشيكة في المغرب، فسألني أحدهم: هل سترشحون نساء منكم؟ قلت: نعم. فقال متعجبا (أو ربما مستنكرا): وهل عندكم فتوى تبيح لكم ذلك؟ فقلت له: نحن سنرشح النساء، وإذا كانت عندكم فتوى تحرم ذلك فابعثوا بها إلينا لننظر فيها وفي دليلها ...

اعلام ومصلحون تخرجوا من جامع الزيتونة

العلامة محمد الطاهر بن عاشور

السيخ محمد الطاهر بن عاشور يتوسّط مجموعة من المدرسين والطلبة

وقد تخرّج من الزيتونة طوال مسيرتها آلاف العلماء والمصلحين الذين عملوا على اصلاح أمّة الاسلام والنهوض بها. اذ لم تكتف جامعة الزيتونة بأن تكون منارة تشع بعلمها وفكرها في العالم وتساهم في مسيرة الابداع والتقدم وتقوم على العلم الصحيح والمعرفة الحقة والقيم الاسلامية السمحة، وإنما كانت إلى ذلك قاعدة للتحرّر والتحرير من خلال إعداد الزعامات الوطنية وترسيخ الوعي بالهوية العربية الاسلامية. ففيها تخرج المؤرخ ابن خلدون وابن عرفة وإبراهيم الرياحي وسالم بوحاجب ومحمد النخلي ومحمد الطاهر ابن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ جامع الأزهر ومحمد العزيز جعيط والمصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي وشاعر تونس أبو القاسم الشابي صاحب ديوان (أغاني الحياة) والطاهر الحداد صاحب كتاب (امرأتنا في الشريعة والمجتمع)، وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية.

لقد تجاوز إشعاع جامعة الزيتونة حدود تونس ليصل الى سائر الاقطار الاسلامية ولعلّ المفكر العربي الكبير شكيب ارسلان يوجز دور الزيتونة عندما اعتبره الى جانب الأزهر والأموي والقرويين أكبر حصن للغة العربية والشريعة الاسلامية في القرون الأخيرة.

لقد مرّت الآن أكثر من1300 سنة على قيام جامع الزيتونة، ويروى أن هذا الاسم قد أطلق عليه بسبب تشييده فوق أرض كانت بها شجرة زيتون فريدة وهكذا يلتقي بيت من بيوت الله بشجرة باركها الله في كتابه العزيز.

ومنذ بنائه شهد جامع الزيتونة تحسينات وتوسعات وترميمات مختلفة بدءا من العهد الأغلبي وصولا إلى عهد التغيير بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي، ومرورا بالحفصيين والمراديين والحسينيين، وهم آخر ملوك تونس قبل إقرار النظام الجمهوري عام 1957. لذلك حافظ هذا الجامع باستمرار على رونقه ليبقى في قلب كل المناسبات والاحتفالات الدينية التي تعيشها العاصمة وليقوم شاهدا على تأصل تونس في إسلامها منذ قرون وقرون. ومع دوره كمكان للصلاة والعبادة كان جامع الزيتونة منذ السنوات الأولى

لتأسيسه منارة للعلم والتعليم على غرار المساجد الكبرى في مختلف أصقاع العالم الإسلامي، حيث تلتئم حلقات الدرس حول الأيمة والمشائخ للاستزادة من علوم الدين ومقاصد الشريعة.

وبمرور الزمن أخذ التدريس في جامع الزيتونة يتخذ شكلا نظاميا حتى غدا في القرن الثامن للهجرة (عصر ابن خلدون) بمثابة المؤسسة الجامعية التي لها قوانينها ونواميسها وعاداتها وتقاليدها ومناهجها وإجازاتها، وتشدّ إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب العربي طلبا للعلم أو للاستزادة منه. وقد تتالت إصلاحات التعليم الزيتوني في العهد الحسيني مع الوزير خير الدين باشا خاصة ثم بمبادرة من بعض العلماء والطلبة خلال فترة الاستعمار الفرنسي (من 1881 إلى 1956) حيث أجريت محاولات لتحديثه من خلال ادخال بعض العلوم الصحيحة في مناهجه.

جزى الله أبا حذيفة خيراعلى ما قدمه من معلومات رائعة عن هذه الشخصية الفذة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير