ثم لما بلغت من العمر ثمان سنين ختمت الكتاب الكريم، وشرعت في قراءة بعض الرسائل، وقرأت طرفا من العربية على والدي، ثم أنخت مطايا التحصيل على الفاضل الكامل، والشيخ الواصل علامة عصره وفهامة دهره الشيخ إسماعيل الموصلي رحمه الله وكان في قوة الحفظ والذكاء وحسن الأخلاق على جانب عظيم، كما إنه كان في الزهد والورع (جنيد زمانه) فلم تمض إلا أعوام يسيرة حتى شملني ببركته فوصلت الليل والنهار في التحصيل، وفارقت أخداني وأقراني، وانزويت عن كل أحد فاكملت قسما عظيما من الكتب المهمة في المنقول والمعقول، والفروع والأصول، وحفظت غالب متون ما قرأته من الكتب المفصلة والمختصرة، وأدركت ما لم يدكه غيري، ولله الحمد
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة في الدرس ابلغ من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها أشهى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لأقى الرمل عن أوراقي
ثم إني توغلت في اتباع سيرة السلف الصالح، وكرهت ما شاهدته من البدع والأهواء، ونفر قلبي منها كل النفور، حتى إني منذ صغري كنت أنكر على من يغالي في أهل القبور، وينذر لهم النذور، ثم إني ألفت عدة رسائل في إبطال هذه الخرافات فعاداني كثير من أبناء الوطن، وشرعوا يغيرون على ولاة البلد، ويحرضونهم على كتابة ما يستوجب غضب السلطان علي وفعلوا ذلك مرارا حتى ألجأوا بعض الولاة أن يكتب للسلطان بأن الأمر خطر إن لم يتداركه، وأن العراق يخرج من البلد بسبب تغير عقائد الأعراب إلى ما يخالف ما عليه الجمهور من العوام ولم يزل يلح حتى ورد الأمر بإبعادي إلى جهة ديار بكر
فلما وصلت إلى الموصل قام رجالها على ساق، ومنعوني أن أتجاوز بلدتهم وكتبوا كتابات شديدة اللهجة إلي السلطان فجاء الأمر بعد أيام بعودي إلى بغداد مع مزيد الاحترام والإكرام وسقط في أيدي الأعداء ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
وحيث أني قد بلغت اليوم ما بلغت تذكرت قول بعضهم:
أعيني لم لا تبكيان على عمري تناثر عمري من يدي ولا أدري
إذا كنت قد جاوزت ستين حجة ولم أتأهب للمعاد، فما عذري
وقد وفقني الله تعالى لتأايف عدة كتب ورسائل، تتجاوز خمسين مؤلفا ما بين مختصر ومطول ومنها ما قد طبع ونشر ومنها ما لم يزل في زوايا الخمول والنسيان وقد نظم في مدائحي شعراء العصر على اختلاف بلادهم وتباين أقطارهم - أشهرهم – أديب بغداد أخي فقي الله أحمد بن عبد الحميد الشاوي الحميري مفتي البصرة رحمه الله تعالى
فتوفرت على درس ألقيه وكتاب أنظر فيه وفرض أؤديه وتفريط في جنب الله أسعى في تلافيه، لا يشغلني عن ذلك شغل شاغل، ولا يكف كفي عن مثابرتي في نشر الفضائل لعل الله سبحانه وتعالى يدخلني دار رحمته، ويسكنني مع من سبقت له الحسنى في جنته، فإن الرحيل قريب، وكأني للنداء مجيب وما أحسن قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وإن امرأ قد سار خمسين حجة إلى منهل، من ورده لقريبُ
هذا ملخص حالي، وما جرى علي من حوادث الليالي، ونسأل الله حسن العواقب)) إ. هـ من كتاب أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث لأحمد تيمور باشا ص 311
توفي العلامة الألوسي رحمه الله سنة 1342
مصادر الترجمة
1. – الدر المنتثر ص 38
2. _ لب الألباب 2/ 318
3. _ محمود شكري وآراؤه اللغوية ص 28
4. _ أعلام العراق ص 85، 341
5. أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث لأحمد تيمور باشا ص 311
ـ[أبو أسيد البغدادي]ــــــــ[30 - 08 - 04, 09:39 م]ـ
ترجمة العلامة الإمام المحدث الشيخ نعمان خير الدين أفندي الألوسي البغدادي
بقلم الشيخ أبي الطيب محمد بن غازي القرشي البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة العلامة الإمام المحدث الشيخ نعمان خير الدين أفندي الألوسي البغدادي
هذه الترجمة نُقِلَتْ بخط السيد محمود شكري الألوسي مؤرخة في في 22 رجب 1339 قال رحمه الله ((هو السيد نعمان بن محمود بن عبد الله بن محمود الألوسي البغدادي ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما،
ولد يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من المحرم سنة 1252 وقد اشتهر بأنه السيد خير الدين نعمان أبو البركات ابن السيد محمود بن عبد الله الألوسي،
¥