[ترجمة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي، بقلم الشيح عطية محمد سالم، رحمهما الله]
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[30 - 05 - 04, 05:23 ص]ـ
مع صاحب الفضيلة
والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
بقلم: الشيخ عطيه محمد سالم
القاضي بالمحكمة الشرعية بالمدينة
الحمد لله المستحق لصفات الجلال وكمال الأسماء، المتفرد بالدوام وبالبقاء. خلق الخلق من عدم وقضى عليهم بالموت والفناء. وجعل الدنيا مزرعة الآخرة، حصادها الثواب والجزاء. واختار من عباده رسلاً يبلغون عنه فهم بينه وبين خلقه وسطاء. واصطفى خاتمهم محمداً صلى الله عليه وسلم فهو صفوة الأصفياء، بعثه رحمة للعالمين فجاء بالحنيفية السمحاء. أطل فجرها بمكة من قمة حراء.
وأشرقت شمس نهارها بطيبة الفيحاء. ظلت مهاجر صحبه في ألفة ووفاء فتحمل الصحب الكرام تراثه. ما ورثوه منه هداية وضياء. وورثوه من بعدهم توريث الآباء للأبناء. وغدت المدينة مشرقة أنوارها يشع منها للعالم نور وسناء. وتوالت الأجيال تلو أجيال إنتاجها للعالم صفوة العلماء، ممن قاموا لله حقاً وأخلصوا لله صدقاً ونشروا العلم في عفة وإباء. نهلوا من المنهل الصافي من منبعه قبل أن يخالطه الترب أو تكدره الدلاء. في مهبط الوحي محط رحالهم. وفي الروضة غدوهم ورواحهم في غبطة وهناء.
درسوا كتاب الله حكماً وحكمة حتى غدت آياته لمرضى الصدور شفاء، وتكشفت حجب المعاني فانجلت من تحتها أشمس وضياء.
وترسموا سنن النبي محمد، وكذاك سنة الخلفاء، وكذا الصحابة والتابعون فإنهم لهم بهم أسوة واقتداء. فهم النجوم في ليل السرى، وهم الهداة لطالب الهدى وأدلاء، وهم الأئمة قدوة الأمة وعلى الدين أمناء.
ونحن بالمدينة وفي هذا الجوار الكريم أشد إحساساً بمكانة العلم ومنزلة العلماء، وأسرع فرحاً بهم وأشد حزناً على موتهم وألماً لفراقهم، إن في موت العلماء لغربة للغرباء.
ولا شك أن هذه الآلام تزداد وهذا الحزن يشتد أكثر وأكثر حينما نكون قد عرفنا هذا العالم أو عاصرناه ولمسنا فضله واستفدنا علمه.
وهذا القدر كلنا فيه سواء نحو علماء المسلمين عامة وشيخنا الأمين خاصة.
وإني كأحد أبنائه ومن جملة تلاميذه أقف اليوم معزياً متعزياً. ومترجماً مترحماً وقد عظم المصاب وعز فيه العزاء.
ولو استحق أحد التعزية لشخصه لاستحقها ثلاثة أشخاص: الشيخ عبد العزيز بن باز لزمالته 21 سنة وماله عنده من منزلة، والشيخ عبد العزيز بن صالح أول من عرفه وتسبب في جلوسه، وصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد الرحمن لمحبته وتقديره.
نعم أقف معزياً متعزياً مترجماً مترحماً كما قال القاضي عياض عن بعض مشايخه "ما لكم تأخذون العلم عنا وتستفيدون منا، ثم تذكروننا فلا تترحمون علينا", إنه ربط أصيل بين العلم والعالم وتنبيه أكيد على أن الاعتراف بفضل العالم شكر وتقدير لنفس العلم. رحم الله شيخنا رحمة واسعة ورحم الله علماء المسلمين في كل زمان ومكان.
وقد قام الخلف بحق السلف في حفظ تاريخهم بالترجمة لهم خدمة لتراثهم وإحياء لذكرهم وما أثر عن السخاوي أنه قال:"من ورخ مؤمناً فكأنما أحياه". أي من ترجم له وأرخه وها هم علماء الأمة يعايشون كل جيل بسيرتهم وتاريخهم في أمهات الكتب.
وإني لاعتقد حقاً أن تراجم الرجال مدارس الأجيال أي في علومهم ومعالم حياتهم.
وإن مثل شيخنا الأمين رحمة الله لحقيق بتخليده بترجمته والاستفادة من منهج حياته في تعلمه وتعليمه.
وإني لأستعين الله فيما أقدم وأستلهمه فيما أقول:
إلى رحمة الله وحسن جواره
فقيد العلم يا علم الرجال، نعاك العلم في حلق السؤال. نعم فقيد الدرس يا علم الرجال، نعاك الدرس في فصل المقال.
انتقل إلى رحمة الله وحسن جواره صاحب الفضيلة وعلم الأعلام الشيخ الجليل والإمام الهمام زكي النفس رفيع المقام كريم السجايا ذو الخلق الرزين، عف المقال حميد الخصال، التقي الأمين والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي. توفي ضحى يوم الخميس 17 - 12 - 93ه وكانت وفاته بمكة المكرمة مرجعه من الحج ودفن بمقبرة المعلاة وصلى الله عليه سماحة رئيس الجامعة الإسلامية فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في الحرم المكي مع من حضر من المسلمين بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم.
¥