تعتبر الحياة الاجتماعية في تلك البلاد بحسب المواطنين قسمين عرب وعجم والعربية لغة الجميع، أما العمل فالعجم أكثر أعمالهم الزراعة والصناعة وسلالتهم من الزنوج.
وأما العرب فقسمان: طلبة وغير الطلبة، والطلبة من يغلب عليهم طلب العلم والتجارة وغيرهم من يغلب عليهم التجارة والإغارة. وهم قبائل عدة ومن القبائل من يغلب عليها الطلب ومنها من يغلب عليها الإغارة والقتال.
وقبيلة الجكنيين خاصة قد جمعت بين طلب العلم وفروسية القتال مع عفة عن أموال الناس، وفي هذا الجو كان طلب العلم على قدم وساق سواء في حلهم أو ترحالهم كما قال بعض مشايخهم العلامة المختار بن بونا:
ونحن ركب من الأشراف منتظم.
أجل ذا العصر قدراً دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
بها نبين دين الله تبيانا
أما كرم الطبع فهذا سجية في جميعهم وأمر يشب فيه الصغير ويشيب عليه الكبير، وقد ألفوا الضيف لنجعة منازلهم ومن عاداتهم إذا نزل وفد على بيت فإن أهل هذا المنزل يرسلون لأهل بيت المضيف مما عندهم قل أو كثر مشاركة في قرى الضيف وتعاوناً مع المضيف حتى لو كان معدماً غدا واجداً ويرحل الوفد وهو في غاية الرضا. وهكذا دواليك.
وفي هذا الجو وتلك البيئة نشأ رحمه الله كما سمعته يقول: "توفي والدي وأنا صغير أقرأ في جزء عمّ وترك لي ثروة من الحيوان والمال، وكانت سكناي في بيت أخوالي وأمي ابنة عم أبي وحفظت القرآن على خالي عبد الله بن محمد المختار بن إبراهيم بن أحمد نوح جد الأب المتقدم".
طلبه للعلم: حفظ القرآن في بيت أخواله على خاله عبد الله كما تقدم وعمره عشر سنوات.
قال رحمه الله: "ثم تعلمت رسم المصحف العثماني (المصحف الأم) على ابن خالي سيدي محمد بن أحمد بن محمد المختار، وقرأت عليه التجويد في مقرأ نافع برواية ورش من طريق أبي يعقوب الأزرق وقالون من رواية أبي نشيط وأخذت عنه سنداً بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك وعمري ستة عشر سنة".
أنواع الدراسة في القرآن: تعتبر الدراسة في علوم القرآن منهجاً متكاملاً لا تقتصر على الحفظ والأداء بل تتناول معرفة رسم المصحف أي نوع كتابته ما كان موصولاً أو مفصولاً وما رسم فيه المد أو كان يمد بدون وجود حرف المد وقد يكون حرفاً صغيراً أو نحو ذلك.
ثم ضبط ما فيه من منشأيه في الرسم أو التلاوة ومن المشهور عندهم في هذا الرجز (محمد ابن بوجه) المشهور المعروف بالبحر تعرض فيه لكل كلمة جاءت في القرآن مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات إلى سبع وعشرين مرة أي من الكلمات المشتبهة وأفرد كل عدد بفصل فمثلاً: كلمة (أعينهم) بالرفع جاءت ثلاث مرات قال فيها:
أعينهم بالرفع من غير حضور
من بعد كانت وتولت وتدور
ومن الثنائي: كلمة (الأشياع) بالعين قال فيه:
أشياع بالعين فهل من مدكر
في سبأ من قبل بأنهم ذكر
وقد درس هذا كله في طفولته وكانت له زيادة نظم على ذلك تذييلا لزيادة الفائدة كما قال: على البيت الأخير مبيناً حركاته وإعرابه:
في سورة القمر خاطب وانصبا
وجره وغيبنه في سبا
أي في سورة القمر تكون تلاوتها الخطاب والنصب {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.
وفي سورة سبأ تكون تلاوتها بالغيبة والجر {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ} وهذه دراسة لا تكاد توجد إلا ما شاء الله وهي من المهام العلمية لحفظها رسم القرآن من التغيير والتبديل وهي من أثار تعهد الله بحفظ هذا القرآن المنزل من عنده سبحانه.
ثم قال رحمه الله: وفي أثناء هذه القراءة درست بعض المختصرات في فقه مالك كرجز الشيخ ابن عاشر وفي أثنائها أيضاً درست دراسة واسعة في الأدب على زوجة خالي أم ولد الخال أي أن ولد خاله يعلمه العلوم الخاصة بالقرآن وأمه تعلمه الأدب قال أخذت عنها مبادئ النحو كالأجرومية وتمرينات ودروس واسعة في أنساب العرب وأيامهم والسيرة النبوية ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي وهو يزيد على 500 بيتاً وشروحه لابن أخت المؤلف المعروف بحماد ونظم عمود النسب للمؤلف وهو يعد بالآلاف وشرحه لابن أخته المذكور على خصوص العدنانيين لأنه مات قبل شرح ما يتعلق بالقحطانيين.
هذه دراسته في علوم القرآن والأدب والسير والتاريخ كانت في بيت أخواله على أخواله وأبناء أخواله وزوجات أخواله أي كان بيت أخواله المدرسة الأولى إليه، أما بقية الفنون فقال:
¥