وقبل مجيء الشيخ رحمه الله كان قبله الشيخ الطيب رحمه الله نفع الله به كثيراً وتوفي سنة 1363ه فكان جلوس الشيخ رحمه الله للتدريس في المسجد النبوي امتداداً لما كان قبله مع من كان من العلماء بالمسجد النبوي آنذاك من تلاميذ الشيخ الطيب وغيرهم، وكان درس الشيخ في التفسير ختم القرآن مرتين.
منهجه في درسه: من المعلوم أن التفسير لا ينحصر في موضوع فهو شامل عام بشمول القرآن وعمومه، فكان المنهج أولاً بيان المفردات ثم الإعراب والتصريف ثم البلاغة مع إيراد الشواهد على ما يورد.
ثم يأتي إلى الأحكام إن كان موضوع الآية فقهاً فيستقصي باستنتاج الحكم وبيان الأقوال والترجيح لما يظهر له، ويدعم ذلك بالأصول وبيان القرآن وعلوم القرآن من عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ وأسباب نزول وغير ذلك.
وإذا كانت الآية في قصص أظهر العبر من القصة وبين تاريخها وقد يربط الحاضر بالماضي كربط تكشف النساء اليوم بفتنة إبليس لحواء في الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما، وفتنته للجاهلية حين طافوا بالبيت عرايا رجالاً ونساء وهاهو يستدرجهن في التكشف شيئاً فشيئاً، بدأ بكشف الوجه ثم الرأس ثم الذراعين… الخ. فكان أسلوباً علمياً وتربوياً في آن واحد، كما كان أحكاماً وحكماً.
وكان درسه أشبه بحديثة غناء احتوت أشهى الثمار وأجمل الأزهار في تنسيق الغرس وجمال الجداول تشرح الصدر وتشفي القلب وتروق للعين، فيستفيد منه جميع الناس ويأخذ كل واحد ما طاب له وما وسعه.
وقد يستطرد للقاعدة بمبحث كامل كما استطرد في الرد على ابن حزم في رده القياس بإتيانه بأنواعه عند قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} وقد طبع في نهاية مذكرة الأصول تعميماً للفائدة وبهذا الشمول والاستقصاء لم يكن يترك مجالاً لسؤال ولم يبق لذي حاجة تساؤل.
وأذكر كلمة لقاضي قرية (قرو) في موريتاني بعد أن سئل رحمه الله عن مهام من المسائل العلمية وأجاب إجابة مستفيضة مفصلة كافية قال قاضي قرو لم يبق لأحد هنا كلام فقد ظهر الحق. ولا سؤال فقد زال اللبس وإن الحضور بين أحد رجلين عالم فقد عرف الحق فلم يبق له سؤال وجاهل فلا يحق له أن يسأل.
فكان نفعه رحمه الله في المسجد النبوي للمقيم والقادم للقاصي والداني نفعاً عظيماً.
ثانياً: في سنة 1371ه افتتحت الإدارة العامة بالرياض على معهد علمي تلاه عدة معاهد وكليتا الشريعة واللغة.
واختير للتدريس في المعهد والكليتين نخبة من العلماء من داخل وخارج المملكة. وكان رحمه الله ممن اختير لذلك فتولى تدريس التفسير والأصول إلى سنة 1381ه حين افتتحت الجامعة الإسلامية بالمدينة.
آثاره في الرياض: كانت مدة اختياره للتدريس بالرياض عشر سنوات دراسية يعود لقضاء العطلة بالمدينة وما كان عمله في التدريس بالمعهد والكلية كغيره من المدرسين. ولكن لبيان أثره حقيقة نورد نبذه عن الحالة العلمية آنذاك بالرياض.
كانت الرياض عاصمة نجد علمياً وسياسياً وكان يفد إليها طلاب العلم من أنحاء نجد لأخذ العلم عن آل الشيخ. وكان مركز الدراسة والتدريس في المساجد إلا خواص الطلاب لدى سماحة المفتي فيدرسون عليه بعض الدروس في بيته ضحى، وكانت الدراسة عمادها التوحيد والفقه والتفسير وكذلك الحديث والسيرة والنحو وكانت دراسة مباركة تخرج عليها جميع علماء نجد حتى جاءت تلك الحركة العلمية الجديدة أو تنظيم الدراسة الجديد في عام 1371ه.
نشأة هذه الحركة: كانت نشأتها كما سمعت منه رحمه الله استجابة لرغبة المرحوم جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله. قال لجماعة العلماء وهم في مجلسه الخاص: لقد كانت الرياض ملية بالعلماء عامرة بالدروس. وانتقل الكثير منهم إلى رحمة الله ولم يخلفهم من يماثلهم وأردت تعاونكم مع سماحة المفتي في تربية جيل من طلبة العلم على العلوم الصحيحة والعقيدة السليمة فنحن وأنتم مشتركون في المسئولية فكانت هذه النهضة ترعاها عناية ملكية وتقوم عليها كفاءة علمية تولي إدارة المعهد الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم ورئاسته لسماحة المفتي وافتتحت الدراسة على طلاب حلق المساجد الأكفاء وفيهم خواص طلاب فضيلة الشيخ محمد رحمه الله وأبناؤه. صنفت الدراسة على ثلاث سنوات ثانوية ومنها إلى الكلية يغذي هذا القسم تمهيدي يأخذ من رابعة ابتدائي ويدرس خامسة وسادسة ومن ثم للمعهد الثانوي
¥