وقررّت ما قرّرت، مما بلغت فيه ـ بحمد الله تعالى من ذلك ـ فوق قدر الكفاية، وحزت بتوفيقه سبحانه قصب السبق إلى الغاية؛ واجتنبت مع ذلك الإسهاب الممل، والإيجاز المخل، بعبارات رشيقة، ومعان رقيقة، مما أرجو أن يكون محطاً للأنظار الملوكية، ومطمحاً لعين عنياته، الإكسيرية، ولاسيما وقد ألَّف على اسمه، وصنف على حسب توقيعه، ورسمه.
والمرجو من الأفاضل الذين عُينوا للنظر فيما يقدّم في هذا الباب، وانتخبوا للتدقيق فيما يرد عليهم من أقطار الأرض من رسالة أو كتاب، إذا وقع كتابي هذا لديهم موقع الاستحسان، وامتاز عن غيره من الكتب المؤلفة في هذا الشأن، أن يعتنوا بأمر طبعه، ويبذلوا الهمة في تصحيحه وحسن وضعه، ولاسيما في التعظيمات التي أوردتها في شأن سادات الأمة، وأكابر الأئمة، من تصلية وترض ودعاء بالمغفرة والرحمة، فلطالما تحرّفت الكتب في المطابع، وتغيّرت إلى ما تمجه المسامع، ولهم بذلك الذكر الجميل، والثناء الجزيل، والفضل الجليل.
.................................................. ........................ كتبه الفقير إليه تعالى
السيد محمود شكري البغدادي
فكتب إليه الكونت كرلودي لندبرج ينبئه بوصول كتابه إلى اللجنة في " استكهلم" ويُطريه:
ثم عرض الكتاب على اللجنة، وعقد مؤتمر برئاسة الملك أسكار الثاني نفسه، شهده طائفة من علماء المشرقيات، ومندوب من " الحضرة السلطانية " وهو الأديب التركي المشهور أحمد مدحت أفندي أحد رجال الدولة العثمانية، وقد سجل وقائع هذا المؤتمر تفصيلاً في كتاب خاص به.
وكانت الكتب المقدمة، كما ذكر الكونت كرلو دي لندبرج في رسالته إلى الآلوسي كثيرة العدد ومختلفة المصادر شرقاً وغرباً، من أوربة ومصر والشام والعراق، وغيرها، فنوقشت مناقشة دقيقة في عدة جلسات إلى أن أسفرت عن اتفاق كلمة المؤتمرين على تفضيل كتاب لسيد الآلوسي على جميع الكتب المقدمة إلى اللجنة، فمنح مؤلفه الجائزة، وهي وسام من الذهب مشفوعاً برسالة بليغة صادرة من القاهرة في 12 شهر ربيع الأول سنة 1307هـ، بإمضاء الكونت كر لو دي لندبرج قنصل السويد والنرويج العام في مصر ووكيلها السياسي تحمل إليه بشارة فوزه بالجائزة، وقرار طبع الكتاب.
وهذه هي الرسالة:
" حضرة العالِم الفاضل محمود شكري أفندي أعزَّه الله.
أيَّد الله الأستاذ، وشرح بالمعارف صدره، ورفع بالكمالات قدره، ولا زالت تحييه المعالي، وتخدمه بأبيضها وأسودها الأيام والليالي، نكتب إليه وفضله لدينا أظهر من الظهور، وأشهر من كل مشهور، معتقدين أنه يُسَرّ بما نتلوه عليه، إذا ألقى بمقاليد سمعته إليه، وذلك أن كتابه" بلوغ الأرب" جليل في بابه، وقد استحق التقدم على أضرابه، فإن جميع الكتب التي وصلتنا في هذا الصدد، مع ما بلغت إليه من كثرة العدد، واختلاف مصادرها شرقاً وغرباً، وبُعداً وقرباً، من أوربا ومصر والشام، والعراق وغيرها من الآفاق، لم يحصل سواك من أربابها أحد على تلك الجائزة التي سبق بها الوعد، لأن الموضوع واديه عميق، بعيد الطريق، غير أن كتاب الأستاذ مع ذلك أجمع الكل مادة، وأوسعها جادة، فلذلك أنعم عليه صاحب الجلالة مولانا ملك السويد والنرويج بـ "نشيان " لا يناله إلا عالم فاضل، قد خصص به الأستاذ دون سواه على كثرة الأمل، فليجعل صدره حلية، وليفخر به على نظرائه فإنما يحسن الفخر على العلية، وليعلم أننا قد عزمنا على طبع ذلك الكتاب تخليداً لمآثر صاحبه ([21])، فلينشط لمثله همته، وليجرّد على أعناق الخمول عزمته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القاهرة 12 ربيع الأول سنة 1307هـ
.................................................. ............................... الكونت كرلو دي لندبرج
.................................................. ............. قنصل السويد والنرويج العام في مصر ووكيلها السياسي
وقال الأستاذ الأثري:
¥