تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[06 - 10 - 04, 09:12 ص]ـ

وحول قول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله أنه سبق له وصف سجن القبو فهذا نص كلامه

(السجن الهاشمي)

أخبرنا الثقات من المكيين أن هذا السجن شر من سجن الحجاج؛ ففيه ضروب

من التعذيب , لم يبق لأقلها وجود في منشوريا ولا غيرها - بل هنالك سجنان:

(أحدهما) سجن المجرمين العاديين , وهو بناء كان مخازن للغلال ذات

رواق فبني الرواق , وجعل له باب أو بابان. وهو مع المخازن لا يسع مائة رجل ,

ولكن له رحبة أو حوشًا تسع مائة أو أكثر، وهو ليس لها سقف يقي هاجرة الحر

المحرقة في الصيف وبرد الليل في الشتاء , والمسجونون فيه خمسمائة أو يزيدون

(وثانيهما) القبو وما أدراك ما القبو؟! وهو سجن الذين ينزل عليهم

الغضب الهاشمي كالأستاذ العلامة الشهير أبو بكر خوقير علامة الحنابلة ومفتيهم

الذي كان يتهمه بأنه وهابي. وهو قبو مظلم تحت دار الإمارة له منفذ ودرج - بل

درك - للنزول إلى أسفله , وأرضه رطبة عفنة كثيرة الحشرات والغازات السامة ,

قلما يعيش أحد فيه عدة أيام , وليس له نوافذ غير مدخله، فلا يدخله نور الشمس

المطهر ولا الهواء المنقي للهواء من الأبخرة السامة , وليس فيه مرحاض ولا مكان

للطهارة.

ومن ضروب الفظاعة المشتملة على عدة محرمات أن زبانيته يسلكون الآحاد

والعشرات من المسجونين في سلسلة واحدة من الحديد آناء الليل والنهار , فكلما

ذهب واحد لقضاء حاجته جرهم كلهم معه , ويؤيد هذا ما كتبه ذلك العالم الفاضل

من جزائر الهند الشرقية في مذكرته المذكورة آنفًا وهو:

(ومما اختصت به مكة - صانها الله تعالى دون سائر الأرض - أن

العقوبات تجري فيها بمنتهى الوحشية استبدادًا , ولو رأى أحد المنصفين السجن

بمكة لبكى الدم حنانًا على من أوقعه نحس الطالع فيه , فإن أكثره لا سقف له يقي

من تلك الشمس المحرقة نهارًا والبرد القارص في أيامه ليلاً , وهو محل قذر للغاية

وضيق لا يتسع لأكثر من 70 شخصًا , وقد حشروا فيه نحو ألف إنسان والحكومة

لا تعطيهم طعامًا , وكثير منهم يموتون جوعًا , وقل أسبوع لا تحدث فيه حوادث

من هذا القبيل , ومن أرسل له أهله قوتًا؛ تخاطفه عليه الجياع، هذا إن سلم

من حراس السجن فإن لهم حتمًا أطايبه , ومن مات يبقى بين من هم هناك نحو

يومين حتى تفوح رائحته لشدة الحرارة وكثرة التحلل من الجيفة بسببها , وبذلك

يحصل الإذن من الذات المقدسة بالدفن , وليس لمن في السجن محل للغسل ولا لهم

بيت للراحة إلا محلاًّ واحدًا يؤمه ألف شخص…

ومن رحمة سيدنا المنقذ أنه يطوق بعض رعاياه المحكوم عليهم بالسجن

بأطواق من الحديد , ويعلق فيها من القلل ما تنوء بحمله العصبة أولو القوة , وينظم

الخمسة إلى العشرة في سلسلة واحدة. إلى ما أخاف أن لا يصدقني القارئ إن ذكرته

من الفلكة الهاشمية والقبو , وما ضاهى ذلك مما لم يتفطن له الحجاج ولا نيرون ولا

نمرود، ولا وسوس لهم به إبليس، فليبحث عن هذا من يحب معرفة الحقيقة)

اهـ وفيه خطأ بتقدير ما يسع السجن وعدد المسجونين , والصواب ما قلناه ومسألة

القلل لم تبلغنا عن غيره.

...

((مجلة المنار ـ المجلد [25] الجزء [4] صـ 305 رمضان 1342 ـ مايو 1924))

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير