تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن الشيخ نفسه –الشيخ سعيد الأحمر الذي بدأت أشتغل عنده في مهنة الساعات- أخذني أيضا إلى مدرسة كانت تسمى المدرسة الكاملية، وكان فيها رجل يعلم الناس القرآن والتجويد: الشيخ محمود فايز الديرعطاني، فطلب مني أن أقرأ القرآن عليه مرة أخرى من أوله إلى آخره، فقرأت عليه القرآن رحمه الله، وكان هذا الرجل في الحقيقة يحبني كثيرا، ويقول: هذا الغلام قراءته سليقية، وأراد مني أن أحفظ، فبدأت بالحفظ، وطلب مني أن أقرأ القراءات، ولكني لم ينشرح صدري للقراءات، وإنما انشرح صدري لطلب العلم ودراسة الفقه والقرآن والحديث والتفسير، فبدأت أطلب العلم على هؤلاء المشايخ.

مرت عليّ فترة من الزمن، بعد ذلك كنت أسمع الحديث من مشايخ الأموي، فأرى أن هذا الحديث يقول عنه الشيخ: رواه الطبراني في الأوسط عن فلان، أو رواه في الكبير أو الصغير عن فلان وفلان، فأرجع وأتأكد من الحديث في فيض القدير شرح الجامع الصغير، لأن أكثر المشايخ في دمشق في ذلك العهد في دمشق كانوا يقرؤون من الجامع الصغير للسُيوطي، والترغيب والترهيب للحافظ المُنذِري، وهذان الكتابات فيهما من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، مثلا في الجامع الصغير للسيوطي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ربيع أمتي العنب والبطيخ"، وهو حديثٌ موضوع، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الباذنجان لِما أُكل له"، حديث موضوع، فلذلك كنت أتأكد عندما أسمع الأحاديث في الجامع الصغير أو من الترغيب والترهيب، لأن الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب أيضا قال في مقدمة كتابه: كل حديث ذكرته في كتابي هذا وصدّرته في أوله بكلمة: "رُوي"، وأهملت الكلام عليه في آخره فهو حديث إما ضعيف أو موضوع، وهناك أحاديث من هذا النوع في كثير من الكتب، فلذلك كنت أتأكد من الأحاديث في الترغيب والترهيب أو في الجامع الصغير وأرجع إلى فيض القدير شرح الجامع الصغير للمُناوي، وأنظر أن الشيخ فلان والشيخ فلان ذكر حديثا في الجامع الأموي وسمعه الطلاب والناس مع أن ذلك الحديث ليس صحيحا، بل هو ضعيف، ولذلك أصبح عندي حبٌ للمطالعة في الحديث النبوي الشريف.

جلست عند معلمي في الساعات: الشيخ سعيد الأحمر التلّي خمس سنوات حتى تعلمت هذه المهنة، وكنت فيها معلّما ولله الحمد، ثم افتتحت دكانا لنفسي بعد خمس سنوات، في هذه الأثناء طلبني مدير المدرسة التي كنت فيها وأخذت منها الشهادة الابتدائية–مدرسة الإسعاف الخيري- أن أرجع وأدرّس في هذه المدرسة، ولما رجعت ودرّست فيها كان شيخي رحمه الله الشيخ صبحي العطار لا يزال معلما فيها، فجئت أنا، ففرح بي كثيرا، وقال: الحمد لله، لقد كنتَ طالبا عندنا، والآن أصبحت أستاذا معنا في هذه المدرسة ..

فحُبب إليّ أن آخذ معي صحيح مسلم، فأخذت صحيح مسلم فقرأته في المدرسة بين الفرص أثناء تدريسي، فعند ذلك أخذت أقرأ كتابا بعد كتاب من كتب الحديث وأحفظ، باعتبار في ذلك الوقت كنت شابا ولم أكن متزوجا، وليس عندي أولاد ولا عندي مشاغل، فكنت أحفظ عدة أحاديث في اليوم الواحد، فهذا ما حدا بي وشجعني لأن أتعلم الحديث وأنظر في كتب الحديث، فأصبحت أرجع إلى كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغير ذلك من الأحاديث، إلى أن مضى فترة من الزمن، وكنت حققت في الشام كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجَزَري، واشتغلت به خمس سنوات في تحقيقه، وهذا الكتاب يجمع موطأ الإمام مالك، والبخاري ومسلم وأبا داود والترمذي والنسائي، فعملت به، ورجعت إلى كثير من الكتب أثناء تحقيقي لمثل هذا الحديث ..

وهناك مرّت عليّ ظروفٌ؛ كنت إماما في عدة المساجد، وكنت خطيبا في أكثر من مسجد، مسجدين أو ثلاثة، في المدة الأخيرة كنت خطيبا في جامع اسمه الجامع المحمدي، وهذا عندما استلمته كان جديدا، فتردد عليّ كثير من الشباب، وكانوا يسمعون الخطب ويسألون، وكنت دائما عقب خطبة الجمعة أعمل أسئلة وأجوبة، فيأتي الشباب فيسألون ويُجابون على هذه الأسئلة، من هنا بدأ بعض الناس وبعض المشايخ يحرّكون عليّ: إن الشيخ وهابي، فيطلبونني ويسألون: ما هو الوهابي؟ فأقول: ليس هناك مذهب وهابي جديد، وإنما هناك رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب من أهل نجد؛ ظهر في ذلك الوقت، وهذا توفي عام 1206هـ ولكنه كان يحارب البدع والخرافات وأشياء ويدعو الناس إلى الكتاب وإلى السنة، ومذهبه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير