صور من حياة شيخنا الزاهد: محمّد المختار الشنقيطي .. منقول
ـ[ابو عبدالله]ــــــــ[28 - 11 - 04, 06:32 ص]ـ
للأمانة العلمية الموضوع منقول منتدى الساحات undefined
تبتّلٌ في محرابِ شيخِنا العلاّمةِ الزاهدِ: مُحمّدِ بنِ محمّدٍ المُختارِ الشنقيطيِّ
في زحمةِ هذهِ الأحداثِ المتلاطمةِ، وما تمخّضَ عنها من المواضيع ِ الفاترةِ، وفي خِضمِّ التصنيفاتِ الجائرةِ، والمهاتراتِ البائسةِ، تنكّبتْ بالكثير ِ من المنتدياتِ الأحوالُ، وتتابعتْ عليها وعلى كُتّابِها الأهوالُ، ولجَّ الكثيرُ من أهلِها في الخلافِ، وأصرّوا على العِنادِ، وصارتِ الكتابة ُ فيها – إلا قليلاً - نوعاً من العبثِ وضرباً من الهذيان ِ، وإلى المجون ِ والتهريج ِ أقربَ منها إلى التأصيل ِ والتقرير ِ، ولم نعُدْ نرى فيها إلا هجوماً وتدابراً، كأنّنا في معركةٍ أو نِزال ٍ.
أقولُ هذا ولا أزكّي نفسي، أو أستثنيها من هذا، فأنا منكم، إن خيراً فخيراً، أو شرّاً فشرّاً، وقاتلَ اللهُ دُريدَ بنَ الصمّةِ، إذ سنَّ الموتَ مع الجماعةِ ولو على حالةٍ لا تسرُّ، عندما جعلَ رُشدهُ من رُشدِ غزيّة َ – وهي قومهُ -، وغوايتُهُ من غوايتِها، وصارَ هذا من السُنن ِ التي تزيدُها الأيّامُ ثباتاً، مع أنّها طبعٌ ذميمٌ، وخلقٌ سيءٌ.
هذه الظِلالُ القاتمة ُ من الحال ِ المرير ِ الذي نعيشهُ، تتطلّبُ منّا وقفة ً نُراجعُ فيها النفسَ، وواحة ً نتفيّأ في ظلالِها الأنسَ، ونجدُ في مغانيها الرّاحة َ، وفي أعطافِها الدعة َ، وإذا استمرأنا وضعنا المُخزي، فنحنُ على أعتابِ كارثةٍ فكريّةٍ كُبرى، فما دامَ الحالُ يُراوحُ في مكانهِ، بينَ قدح ٍ سافر ٍ يكشفُ مخبوءَ النيّةِ السيئةِ، وبينَ تصنيفٍ ظالم ٍ يفضحُ خواءَ النفس ِ من الإنصافِِ، والقلمُ يُبرى ليُكتبَ بهِ ما لا يصلحُ أن يكونَ صحيفة ً على حائطٍ في مدرسةٍ للصبيان ِ، فإنَّ استصلاحَ الحال ِ وتقويمهُ يحتاجُ إلى زمن ٍ فسيح ٍ، ونفوس ٍ صابرةٍ، وهمم ٍ مشحوذةٍ، ولا يلوحُ في الأفقِ دونَ ذلكَ إلا خرطُ القتادِ، وسفُّ الرّمادِ، والحمدُ للهِ على كلِّ حال ٍ.
في طريق ِ الإصلاح ِ للقلم ِ، والتهيئةِ للفكر ِ، والدُربةِ للعقل ِ، هذهِ مادّة ٌ خاصّة ٌ عن شيخِنا العلاّمةِ العابدِ الزاهدِ: مُحمّدِ بن ِ مُحمّدٍ المختار ِ الشنقيطيِّ، أسعدَ اللهُ أيّامهُ، وأعلى قدرهُ ومنزلتهُ، أبثّهُا بينَ يديكم لتكونَ كالغيثِ الذي ينهمرُ فيروي الأرضَ القفرَ اليبابَ، وكالنّسيم ِ العليل ِ يبعثُ النّشاطَ في النّفوس ِ الحالمةِ، وكالوردِ العبق ِ الفوّاح ِ في وسطِ القيظِ المُلهبِ يُبهجُ المُهجَ فتنتعشُ وتطربُ، جمعتُها من خلاصةِ ما سمعتهُ من طلاّبهِ، أو وقفتُ عليهِ مُعاينة ً، لعلَّ اللهَ أن يُبعثَ بها الهِممَ من مرقدِها.
هو شيخُنا الفقيهُ المُفسّرُ الأصوليُّ: أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ محمّد المختار ِ بنِ أحمدَ مزيد الجكنيُّ الشنقيطيُّ، والدهُ رجلٌ من أهل ِ العلم ِ الكِبار ِ، درّسَ – أعني والدهُ – في المدينةِ النبويّةِ – شرّفها اللهُ – وفي جُدّة َ – حرسها اللهُ -، وكانَ عالماً فاضلاً من سراةِ الشناقيطِ، سليل ِ أرومةٍ من ذوي الشرفِ والوجاهةِ، ومن أهل ِ الفضل ِ فيهم، وهو ينتسبُ – كما حدّثني قريبٌ للشيخ ِ – إلى الإمام ِ الكبير ِ: المختار ِ بن ِ بونة َ الجكنيِّ – جادَ اللهُ بالرّحمةِ مثواهُ -، أحدِ كِبار ِ العلماءِ في بلادِ شنقيطَ، توفّيَ قديماً، ولهُ مصنّفاتٌ عدّة ٌ منها: طرّة ُ الألفيّةِ، والاحمرارُ، وهي من عجائبِ ما ألّفَ في علم ِ العربيّةِ، أكملَ بهما ألفية َ بن ِ مالكٍ ووشّحها بحاشيةٍ كاشفةٍ لمعانيها، ولهُ قصّة ٌ عجيبة ٌ تدلُّ على كرامةٍ من اللهِ لهُ - بعدَ أن ِ افترى عليهِ بعضُ أهل ِ عصرهِ ونابذوهُ حسداً وبغياً -، حدثتْ في ساعةِ وفاتِهِ، حدّثني بها غيرُ واحدٍ من أهل ِ العلم ِ ومنهم شيخُنا مُحمّدٌ، ولذكرِها موضعٌ آخرُ.
ومن شعرهِ – أي ابن ِ بونة َ - الذي يفخرُ بهِ – وهي قصيدة ٌ مشهورة ٌ - قولهُ:
نحنُ ركبٌ من الأشرافِ مُنتظمٌ ********* أجلُّ ذا العصر ِ قدراً دونَ أدنانا
قد اتخذنا ظهورَ العيس ِ مدرسة ً ********* بها نُبيّنُ دينَ اللهِ تِبيانا
¥