تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإني والله لأمسح دموعي وأنا أسطر هذه الكلمات من شدة حزني على فقد هذا الأب والشيخ والقدوة، فقد كان مرحا خفيف الظل طيب العشرة رفيق الكلام ما رأيته غاضبا قط اللهم إلا أن تنتهك محارم الله وإني لأذكر المرات التي رأيته فيها شديد الغضب والحزن والأسى لما كان يحدث لإخواننا في الشيشان فلقد عاصرت هذه الأحداث فترة قرائتي عليه.

وأما عن بذل المال للفقراء والمساكين فحدث ولا حرج فكم من مرة زرته ببيته فيها على غفلة فأجد عنده الفقراء والمساكين والمعدومين في بيته لأخذ النفقة الشهرية التي تكفل لهم بها الشيخ الجواد رحمة الله عليه، وأنا حين أقول فقراء لا أقصد فرد أو فردين بل أسر كاملة كثيرة، فلك أن تتخيل أن من كل أسرة جاء فرد ومع ذلك فقد امتلأت صالة البيت حتى أنني لم أجد بدا من الوقوف عند الباب حياءا وإظهارا للعجلة حتى لا أحرج الشيخ من أنه لا يجد مكانا أجلس فيه.

وكم من مرة سافر فيها بنفسه ليبحث عن مستحقين؛ وأنا أقول سافر وأعنيها فلقد سافر إلى المحافظات المجاورة مع ولده لينظر إلى حق الله في ماله منفقا إياه في ذات الله نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.

ثم هو أكاد أقسم على ذلك أكثر من رأيت ذكرا لله فلقد كان والله كثير الذكر لا يدع الذكر أبدا بكل أنواعه المطلق منه والمقيد حتى أنك تشعر بالتضاؤل والله العظيم أمام اجتهاده في هذا الباب ولقد صاحبته خمسة أعوام في السفر والحضر فرأيت من حاله في الذكر عجبا والله.

فمن هذا أنه كان لا يدع أذكار الصباح والمساء أبدا في سفر أو حضر كاملة لا نقص فيها حتى أنه قد يمكث يسبح ويهلل الساعات الكاملات وكأني أراه الآن يجلس على كرسيه في مزرعته عند كوخه -سأذكر شأن هذا الكوخ قريبا- يسبح الله ويحمده ويهلل من بعد العصر إلى قبيل المغرب بدقائق معدودات وكان الشيخ في ذكره يسمعه السامع هذا دأبه فكنت أسرح في تسبيحه فأكاد لا أستطيع أن أذكر أنا بنفسي من عذوبة تسبيحه هو فأنشغل بالتفكر فيها لما تخرج من لسانه هو رحمه الله وأكرم منزله.

وأما عن الكوخ فلقد كان الشيخ ممن أوتي مالا -وهذا من العجب فعلى الرغم من أنه تفرغ تماما للعلم والتعلم وأوقف نفسه لله خدمة لكلامه إلا أن الله كان يغدق عليه من رزقه وكأن لسان الحال تفرغ للعبادة والله يتكفل بكلئك- فكان عنده مزرعة بها فيلا وكان يسافر لملاحظتها كل شهر 3 أو 4 أيام ثم يعود وحتى في هذه الفترة كان لا يدعالتعليم فكان يصطحبني معه لأقرأ عليه فرأيته في السفر كريما سخاء اليد طيب العشرة وكان ينشغل أثناء انتقاله بالذكر ومراجعة المتون وكان يقرأ هو علي المتون من حفظه هناك والشاهد أنه بنى لنفسه كوخا من الطين اللبن كان يبيت فيه يرتدي قميصا ممزقا أخبرني أن والده توف فيه ويرفض أن يبيت أبدا معي في الفيلا على الرغم والله من وجود الضواري في هذه المنطقة من كلاب وسباع وعقارب وحيات هذا مع شدة البرد وقتامة الظلمة وكان يقول: هذه أرق لقلبي.

رحمة الله عليه وإني لأذكر أن المسافة بين الكوخ والمسجد كان تبعد حوالي 20 دقيقة فكنت عند الفجر أرقبه قادما على قدمه في ظلمة حالكة إلي أن يظهر بوجهه المنير ليقيم بنا ونصلي الفجر في المسجد جماعة.

وكان شديد التوضع جدا جدا يجلس مع الفلاحين والعاملين ليأكلوا معا على الأرض من صحن واحد فأسأل الله أن يرفعه بهذا التواضع.

والله إن مناقب الشيخ أكثر من أن تحصر في هذه السطور ولا في أضعافها فلقد خسرت الأمة عالما عاملا ذاكرا منفقا صالحا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله فهو بحاله أعلم، وإن كنا لنشهد أن كان محافظا على الصلوات في الجماعات حيث ينادى بهن داعيا للخير آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حريصا على اتباع السنة رجاعا للحق إن تبين له محبا للصالحين مبغضا للمنافقين والظالمين.

وكان من آخر ما قاله على فراش العناية المركزة قول الله: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) ثم قال لي: انظر كان ممكن أن يكتفي بعذاب جهنم ولكنه زاد وأضاف: ولهم عذاب الحريق، ثم أخذ يدعو وهو في هذه الحالة على بعض هؤلاء الظالمين الذين فتنوا المؤمنين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير