ـ[أبو عبدالله الأثري]ــــــــ[22 - 03 - 06, 01:15 م]ـ
نُزهة الأنفُس في سيرة الشّيخ عبد السّلام بن بُرجُس -رحمه الله-
كتبه: فريد أبوقرة المرادي
مقدمة
الحمد لله الذي جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرّسل بقاياَ من أهل العلم يَدعون من ضلّ إلى الهدى، ويَصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصّرون بنور الله أهل العَمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيَوه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدَوْه، فما أحسنَ أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، يَنفُون عن كتاب الله تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين، الذين عَقدوا أَلوِية البدع وأطلَقوا عِقال الفِتنة، فهم مُختلفون في الكتاب، مُخالفون للكتاب، مُجتمعون على مُفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علمٍ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهّال الناس بما يُشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلِّين." [من كلام إمام أهل السنّة والجماعة؛ الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى ورضي عنه-في فاتحة كتابه "الرد على الجهميّة والزنادقة" (ص52 - 53/ط. دار المنهاج بالقاهرة)]
روى الشّيخان عن عبد الله بن عمروبن العاص-رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنّ الله لا يَقبضُ العلم انتزاعاً ينتزعُه من العبادِ، ولكنْ يَقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ؛ حتّى إذا لمْ يُبقِ عالماً؛ اتّخذَ النّاس رؤوساً جُهّالاً، فسُئلوا فأَفتَوا بغير علمٍ فضلُّوا وأَضلُّوا)).
((هذا الحديث الشريف يدلُّ على أهميّة العلم، وعلى عِظم شأن العلماء، وأنّ فقدَهم وذهابهم إنّما هوقبضٌ للعلم ... وأنّ قبض العلماء كما قد جاء في كلام بعض أهل العلم: ثُلمةٌ في الدِّين، وأنّه نقصٌ للمسلمين حيث ذهب العلماء الذين يُرجع إليهم، ويُستفاد من علمهم، ويُدلونهم ويُبصرونهم، فإن ذلك نقصٌ كبيرٌ على الناس.)) [من كلام الشّيخ العلاّمة عبد المحسن العبّاد -حفظه الله- في مجلّة ’’الأصالة‘‘ -الأردن-؛ عدد (23)، ص13 - بتصرف-].
وقال الإمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: ((اعلم أخي أنّ الموت اليوم كرامة لكلِّ مسلمٍِ لقيَ الله على السنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإلى الله نشكووحشتنا، وذهاب الإخوان، وقِلّة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكوعظيم ما حلّ بهذه الأمّة من ذهاب العلماء، وأهل السنّة، وظهور البدع.))، رواه ابن وضّاح القرطبي -رحمه الله- في كتابه ’’البدع والنهي عنها‘‘ (رقم97، ص87 - 88/ تحقيق الشّيخ بدر البدر-حفظه الله-).
هذا وإنّ من الفجائع المُؤلمة، والمصائب المُوجعة، والتي حدثت بالأمّة الإسلاميّة قبل أشهرٍ قليلةٍ؛ وفاة الفقيهِ الفاضلِ، والعالمِ العاملِ؛ الشّيخ عبد السّلام بن بُرجس -تغمّده الله بواسع رحمته-، وفي الحقيقة لا أستطيع -لا بلساني ولا بقلمي- أن أصف حالتي حين اطّلعت على خبر وفاة الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-، وقد وجدت يقيناً ما قاله أحد أئمّة سلفنا الصالح؛ وهوالإمام أيوب السِّختيانيّ: "إنّه ليَبلُغني موت الرّجل من أهلِ السنّة؛ فكأنّما أفقد بعضاً من أعضائي". وأنا في حقيقة الأمر لم ألتقِ بالشّيخ -رحمه الله-،ولا هويعرفني، لكنّي كنتُ قد استفدت كثيراً -كما استفاد الكثير- من رسائله ومحاضراته التي تيسّرت لديّ، فلهذا شعرتُ بأسىً عميقٍ لفقده -رحمه الله-؛ فالإنسان مجبولٌ على محبّة من يُحسن إليه، فكيف إذا كان الإحسان فيما فيه سعادة المرءِ في الدّارين؟.
وكيف لا يشعر بالحزن والأسى كل مخلصٍ وصادقٍ؛ لموت طالب علمٍ سنيٍّ، بَلهَ عالمٍ سلفيٍّ.؟
لمثل هذا يموت القلب من كمدٍ * إن كان في القلب إسلام وإيمان
((وإنّ ذهاب مثل هذا العالم هوفي الحقيقة نقصٌ على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله -عزّ وجلّ- الذي هوسبحانه وتعالى له ما أخذ وله ما أعطى: أن يُعوِّض المسلمين خيراً، وأن يُوفِّق المسلمين لما فيه خيرهم وسعادتهم، وأن يُوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطلبه ومعرفته، إنّه -سبحانه وتعالى- جوادٌ كريمٌ)) [من كلام الشّيخ عبد المحسن العبّاد -حفظه الله-، مصدر سابق ص14).
¥