أوّل هذه الأشياء حِرصه على الوقت؛ وفي هذا السِّياق أتذكّر أيّام الكُليّة -وفي وقت الفسح بالذّات- أتذكّر أنَّ الشّيخ كان ضَنِيناً بوقته -رحمه الله-، فقد كنتُ أبحث عنه أحياناً فأجده منعزلاً مع أحد الإخوة يتدارسون ’’صحيح البخاري‘‘ أو غيره من الكتب ويحفظون الأحاديث .. فيا لها من هِمَّةٍ عاليةٍ أين نحن منها؟ ..
ثانيها دفاعه عن علماء الأمّة؛ ويُذكر في هذا شأنه مع صاحبه الحميم الذي تهجّم على الشّيخ الألباني -رحمه الله- فلم تمنعه صحبته لهذا الرّجل من أن يَرُدَّ عليه ويُفنِّد كلامه ..
ثالث هذه الأشياء رحابة صدرهِ مع من يهاتفونه مُستفسرين أو سائلين؛ فهو يُعطيك العلم بقال الله وقال رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقبله يُعطيك الأدب ... رحمك الله يا شيخ وأسأل الله أن يفتح لك أبواب الجِنان وأن يُنزلك منازل الرِّضوان يا ربّ .. )) [نقلاً عن موقع ’’السّاحة الإسلاميّة'' بتاريخ (4/ 4/2004م)].
جزى الله خيراً هذا الأخ المُوفَّق على حُسن ثنائه على الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-، ولا ريب أنّ ((حُسن العهد من الإيمان)) كما في الحديث.
(14) بعض المراثي التي قِيلت فيه:
لمّا تُوفيّ الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- سارع مُحبُّوه من أهل العلم وطلبته برثاء فقيدهم نثراً ونظماً، وقد سبق شيءٌ ممّا قيل فيه -رحمه الله- نثراً، وأسرد هنا بعض المراثي الشعريّة التي وقفتُ عليها.
(أ) ’’رثاءٌ ووفاءٌ‘‘ للشّيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي الأثري -حفظه الله-:
قُلْ للشَّباب وللشّيوخ تصبَّروا ... في فقدنا عَلَماً ومن خُسرانهِ
رَحِم الإله عُبيْدَه في قبره ... رَحماتهُ بالبرِّ في إحسانهِ
هذا (السّلام) مُسلّمٌ في عَفوِه ... (عبدَ السّلام) ومُكْرِمٌ بجنانهِ
هو (برجسٌ) في ذي السّماء بعلمه ... قد مدَّ نوراً زادَ عن أوطانهِ
علمٌ ونهجُ رسولنا في سُنّةٍ ... وبفَهم أسلافٍ عُلا بنيانهِ
أخلاقهُ آدابهُ وفضائلٌ ... عزَّ النّظير نظيرهُ عن شانهِ
ولسانهُ عذْبُ الكلام وسَلْسَلٌ ... وكأنّه منه صدى ألحانهِ
أمّا التبدّع والتحزّب إنّه ... يكويهمُ منه لظَى بركانهِ
وكذا المكفّر والجهالة رمزُه ... هوعنده عنوان ذلِّ هوانهِ
وكذا الفويسق والكفور لربّه ... قد ضلّ بالكفران في طغيانهِ
وكذاك دعوته بكلِّ وسيلةٍ ... في الحقِّ كان الحقّ طَوْع بنانهِ
إخلاصهُ ووفاؤهُ قُلْ بذلهُ ... عمّ الذّرى بل طفّ عن بلدانهِ
داعٍ إلى الحقِّ الحقيق بحجّةٍ ... بل مُمسكٌ فيه بغَرز عنانهِ
قد نال دوماً في القلوب مكانةً ... بتودُّدٍ منه مدى أزمانهِ
والعدل في الأحكام رأسُ طريقه ... من غير فَرْقٍ بين ذا وفلانهِ
هذا وربِّي دأبهُ قلْ نهجهُ ... هذا وربِّي قلْ عِيار وِزانهِ
فانظر إلى كُتْبٍ له منشورةٍ ... ككتاب’’حُكَّامٍ‘‘بلا كتمانهِ
وكذاك’’مُعتقدٌ‘‘له في صحّةٍ ... من آخر التّصنيف في عرفانهِ
وله تآليفٌ لطيفٌ سبْكُها ... من سنّة الهادي كذا قرآنهِ
مع حُسن ترصيفِ الكلام بدقّةٍ ... قد زادها فضلاً جمالُ بيانهِ
والله قد كُسرتْ قلوبُ أحبةٍ ... من شامنا حتى إلى تطوانهِ
هم إخوةٌ جُمعوا بظلِّ مناهج ... والحقُّ يعلوهم بعزِّ مكانهِ
بالعلم قال الله قال رسوله ... هذا احتجاجُ الحقِّ في برهانهِ
لا بتأقلمِ أوتحزّبِ فِرقةٍ ... هذا سبيلٌ شذَّ عن رجحانهِ
زِدْ أنّه سُوء البلاء حقيقةً ... فمُناقضٌ للعدل بل إيمانهِ
باب الأخوّةِ دون هذا موصدٌ ... بل أُشرعتْ فيه كُوى حرمانهِ
فالله يُنجينا برحمةِ فضلهِ ... من لحظةِ الموتِ رضا غفرانهِ
في القبر تحت الأرض أيضاً رحمةً ... فيها النّجاة من بلا فتّانهِ
أمّا الحساب فعند ربّ الكون إذ ... جُلَّ المُنى في البُعد عن نيرانهِ
والله لن يُخزي الإله مُوحداًّ ... يدعوإليه بفعله ولسانهِ
أمّا المخالفُ للصواب فإنّه ... حلَّ به اضمحلالُ مثل دخانهِ
عبدٌ لهذا الربِّ عبدٌ صادقٌ ... يحميه ربِّي عزَّ في سلطانهِ
فالله يرحمهُ الكريم بفضلِه ... رحماتِ خيرٍ إنّه بضمانهِ
من غير تزكيةٍ له في ربّه ... لكنّ هذا الظنّ في حسبانهِ
هذا القصيدُ كتبتهُ في مجلسٍ ... من غير تَزيينٍ ولا حيرانهِ
تِلكم عقودٌ أربعٌ لم تكتملْ ... عدد السنين إلى ملا أكفانهِ
هي نفسها أعداد تأليفاته ... رَوْحٌ له بالطِّيب مع ريحانهِ
والله أولى بالعباد من الذي ... أدمى العيونَ وكَلَّ في أجفانهِ
¥