تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد عدّد السيوطي رحمه الله في كتابه (درُّ السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة)، وفي كتابه (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) - عدد أسماء جملة من الصحابة، الذين وطئت أقدامهم بلاد مصر وهي من القارة الإفريقية، وطؤوها داعين الخلق إلى عبادة الخالق، وترك عبادة المخلوق، ولم يدخلوها دخول المستعمرين الذين أكلوا الحرث والنسل، والذين أفسدوا العقائد والفطر، وأشاعوا فيها الكنائس والبيع لاتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله.

ولقد ذكر التاريخ أن عقبة بن نافع الذي سبقت الإشارة إلى ذكره أو عقبة بن ياسر أو عقبة بن عامر قتله كَسيلة بن كزم البربري وهو عائد إلى القيروان من غزوة غزاها لنشر دين الله سنة 63هـ، وخلف فيها أولاداً ينتمي إليهم الفلاتنون, كما ذكر ذلك صاحب كتاب (تعريف العشائر والخلان بشعوب وقبائل الفُلاّن) والله أعلم بحقيقة الحال. قال رحمه الله: "وفي كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر المغربي المالكي (عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري) وفدَ على عهد النبي، وكان ابن أخت عمرو بن العاص فولاّه افريقية، وافتتح غدامس وكُوراً من السودان وودّان وبلاد البربر، وغزا السويس القصوى، وكان مستجاب الدعوة، قتله كسيلة بن كزم سنة 63هـ" اهـ. من كل هذا يعلم أيضاً أن صلة تلك البلاد بالبلاد العربية وأهلها ألصق، ونسب بعض جذاميرها بهم أقرب، كيف لا وقد ربط الله بينهم الإسلام، وجعل وشيجته أقوى الوشائج، وصلته أعظم الصلات.

وما أحسن قول العلامة الأستاذ أبي الحسن الندوى قال: "وقد عقد الله بين العرب والإسلام، ثم بين الحجاز والأمة الإسلامية، ثم بين الحرمين الشريفين وقلوب المسلمين للأبد، وربط مصير أحدهما بالآخر".

لذا فإن الشعوب المسلمة في أفريقيا عندما حل ببلادها المستعمر اعتبروا تلك الفترة فترة بلاء، وأيام نحس ـ وساعات بؤس، وآثروا الموت على الحياة.

وفي هذا الوقت ولد الشيخ عبد الرحمن الافريقي المترجم له، وشب عن الطوق، ولما بلغ سن التمييز بعثه والده إلى فقيه القرية الذي يسمى ألفا ليلقنه بعض سور القرآن الكريم ويعلمه بعض الأحكام المبسطة من الكتب الفقهية المتداولة, وظهرت عليه ملامح النجابة، ولم يمض كبير وقت حتى اختاره حكام البلاد المستعمرون للتعليم في مدارسهم التي افتتحوها في تلك البلاد، وأخذ قهراً عن والديه ضمن عدد من أبناء الأعيان، فازداد البلاء , وتفاقم الخطب على والديه وآله لاعتقادهم أنه لا يرجى الخير من شخص تربى على أيدي أعداء الله, وتثقف بثقافتهم ولكن الله غالب على أمره {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} وشاء الله أن يشتغل الفتى بدروسه، ويهضم معلوماته، ويكون النجم اللامع بين أقرنه، وينال الشهادات الدراسية التي تدل على تفوقه وجدارته مما جعله يختار للعمل مدرساً ثم موظفاً مسؤولاً في الأنواء الجوية. ولما دنت ساعة الظفر، وحانت ساعة السعادة والكرامة جرى بينه وبين مدير إدارته حديث في شأن الإسلام وواقع المسلمين، ونثر الخصم ما في جعبته من السموم، ورمى الإسلام الجمود والتخلف, وذكر له أن الإسلام دين لا يصلح للعالم, وتعاليمه لا تهذب النفوس وإنما هو منهج يكتبل الحريات، ويدعو إلى الوهم والخيالات، واستدل بواقع المسلمين وما هم عليه من التخلف والذل، وركونهم إلى الطلاسم والسحر والحجب واعتمادهم على الجن والكهان, والكواكب والحروز والأصنام، مما أدى الأوربيين إلى احتلال البلاد لإسعادهم، وانتشالهم من وهدة التخلف التي هم عليها، وقام يدلل على ذلك بالكثير والكثير من الأدلة التي نمقها المبشرون، وكادوا بها الإسلام والمسلمين، فلم يستطع الفتى حينها من أن يقنع الخصم، ولا أن يدافع عن دينه وعقيدته، لا سيما وأنه خال الوفاض بعيد عن العلم والعلماء والفقه والفقهاء, ولو كان مع أهل العلم والفقهاء فإن العلم في تلك البلاد وما شابهها لا يعدو حفظ القرآن. والمرور على بعض الرسائل في فقه الإمام مالك رحمه الله, ومنظومات شعرية في المديح النبوي باللغة المحلية والعربية, وعزم على أن يتصل بعلماء قريته ليقف على الحجج التي يرد بها على المجادل الخانق المعلم فلم ينل بغيته، ولم يحصل على طلبته، فامتلأت نفسه حسرة وندامة, وقرر السفر إلى الحرمين الشريفين, وهو يرى في كل عام المسافرين والآتين من مكة بدعوى أداء الحج،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير