تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأسمعك ما قاله بلال بن رباح رضي الله عنه عندما هاجر, وأصابته الحمى واشتد عليه الأمر، كان يرفع عقيرته ويقول كما روت عائشة:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بوادٍ وحولي إذخر وجليل

وهل أردنّ يوماً مياه مجنةٍ

وهل يبدونّ لي شامة وطفيل

قالت: أما أبو بكر رضي الله عنه فكان إذا اشتدت به الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهله

والموت أدنى من شراك نعله

أقول: إن الشيخ الأفريقي رحمه الله فإنه قد عاد إلى المدينة فعلاً، وعاد إلى شيخه الشيخ سعيد، ولما رآه سر بعودته، وأنزله منزلة كريمة، وخصّص له أوقاتاً يتلقى فيها العلم في البيت والمسجد، وصار يصحبه معه في مجالس لعلماء، ليلقح ذهنه، وتوجه فكره، واتخذه التلميذ الخاص، ولو جاز التبني لتبناه، لا سيما أن الشيخ سعيد لم يرزق أولاداً.

وعندما افتتحت مدرسة دار الحديث بالمدينة عام 1350هـ وعين الشيخ مدرساً فيها, دعاه إلى الالتحاق بها، وكانت يومها مدرسة معنية بتدريس الحديث النبوي، وعلومه على أوسع نطاق، ويدرس فيها كبار العلماء، ومنهم الشيخ سعيد فوجد فيها بغيته، وكان مؤسسها العلامة الشيخ أحمد بن محمد الدهلوي رحمه الله - معنياً بالحديث، ومحدثاً مشهوراً أراد من تأسيس هذه الدار إنشاء جيل في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصير بالحديث دراية ورواية, شأن مدارس الحديث في الهند إذ ذاك.

فالتحق الشيخ الأفريقي بها، ودرس فيها الصحاح والسنن، ومصطلح الحديث والفقه وأصولهما، وعلوم الآلة، ورأى مؤسس الدار منه الحرص الشديد على طلب العلم، وانقطاعه له، وإخلاصه فيه فازدادت محبته له، وجعل مكتبة الدار مذللة ه، وصار يشرف عليها ويرشده إلى المراجع وينمي فيه ملكة البحث والمطالعة.

وقد استفاد من دار الحديث فائدة عظيمة، وتعمق في الحديث وعلومه ساعده على ذلك وجود العلماء الأجلاء الذين يعلمون في دار الحديث - عد توفيق الله سأتحدث عن بعضهم عند الكلام على الشيوخ الذين تلقى عنهم العلم إن شاء الله - وكان تعلقه بالحديث تعلقاً عظيماً ملأ عليه شغاف قلبه، واستولى على لبه بحيث أصبح مشهوراً بين أقرانه وعند شيوخه برجل الحديث والمحدث.

وأذكر أنني كثيراً ما سمعته يتمثل بأبيات العلامة الذهبي رحمه الله عليه:

أهل الحديث عصابة الحق

فازوا بدعوة سيد الخلق

فوجدوهم لألاء ناضرة

لألاءها كفالق البرق

إشارة إلى الحديث الصحيح "نضر اللهُ امرأً سمع مقالتي فوعاها .. " الحديث.

وكثيراً ما كان يردد أبياتا من منظومة الشيخ محمد سفر المدني صاحب رسالة الهدى:

وقول أعلام الهدى لا تعملوا

بقولنا في خلف نص يقبل

فيه دليل الأخذ بالحديث

وذاك في القديم والحديث

قال أبو حنيفة الإمام

لا ينبغي لمن له إسلام

أخذ بأقوالي حتى تعرضا

على الكتاب والحديث المرتضى

ومالك إمام دار الهجرة

قال وقد أشار نحو الحجرة

كل كلام منه ذو قبول

ومنه مردود سوى الرسول

والشافعي قال إن رأيتم

قولي مخالفاً لم رويتم

من الحديث فاضربوا الجدار

بقولي المخالف الأخبارا

وأحمدٌ قال لهم لا تكتبوا

ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا

دينك لا تقلد الرجالا

حتى ترى أولاهما مقالا

فاسمع مقالات الهداة الأربعة

واعمل بها فإن فيها منفعة

لقمعها لكل ذي تعصب

والمنصفون يكتفون بالنبي

ولقد حفظت منه حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي والطبراني بسند حسن من كثرة ذكره له - عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم ارحم خلفائي"، قال فقلنا يا رسول الله ومن هم خلفاؤك؟ قال: "الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي، ويعلمونها الناس".

أقول: إنه مع حبه الجم للعمل بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عادلاً منصفاً لا يرضى لأحد من طلابه أو جلسائه أن يتنقض أحداً من العلماء والفقهاء ولا أن يتطاول على أحد ممن اشتهر بعلم الفقه وتدريسه أياً كان وشهدته مرة ينصح طالباً قال: ومن يكون هذا الرجل، وما هي منزلته يعني أحد علماء الفقه فقال له الشيخ مغضباً في الحال: "هو ممن أمرك الله بالدعاء والاستغفار له في قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (الحشر: 10) , والله يقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير