تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنا ينبغي للداعية أن يعلم أن أسلوب الفظاظة والغلظة والجفاء والشدة لا يسعد على خدمة الدعوة، وإنما يؤدي إلى العكس, لذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159)، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199)

ولا أريد هنا أن أعدد أسماء طلابه المبرزين, أو أشيد بأعمالهم وآثارهم وأذكر مناصبهم ومكانتهم الاجتماعية فإن ذكر ذلك لا يغني فتيلاً ولا ينفع نقيراً، ولا يزيد من قدر الشيخ رحمه الله شيئاً.

ولكني أسأل الله جل وعلا أن يبارك فيهم وفي علومهم، ويزيد من صلاحهم وتوفيقهم، وينفع الإسلام والمسلمين.

صفاته وأخلاقه:

ولقد وعدت في مطلع حديثي أنني لا أبالغ في المدح والوصف والثناء كما يفعل عادة عندما يصف التلميذ شيخه, ولذا فإنني ههنا أذكر إلمامة صغيرة عن الجوانب التي أختار الكتابة عنها, وأعتقد أنني لست بالمبالغ أو المتزيد إذا سلكت الشيخ في عداد المصلحين في هذا القرن، فقد كان معلماً بارعاً، ومصلحاً وهب نفسه وفكره، وأذوى ناضر شبابه، وسلخ عمره في مجال الخير, وكان رحمة الله علينا وعليه قد أعطي بسطة في الجسم كما أعطيها في العلم، أسمر ممتلئ الوجه متلألأة, لا ترى العبوس في وجهه, لين العريكة, يحرص في جميع شؤونه أن يسير سير المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وكان في منتهى الذكاء واللباقة, شجاعاً في الحق صبوراً على الأذى في سبيل الله، حكيماً في أحاديثه أديباً في مجلسه، لطيفاً في أسلوبه، سهلاً في تعليمه ومعاملته، مشجعاً للمجدين من طلابه في ألفاظ يرسلها كأنها سهام تنفذ إلى القلوب، يؤدب في شفقة وبشاشة وإيناس، ضليعاً في علم الحديث ومصطلحه, داعية لطلابه إلى اعتناق منهج الانطلاق الفكري في البحوث المقيدة بميزان الشريعة.

رجاعاً إلى الحق، مثيراً طلابه على ملازمة الطاعة والعبادة، عزيزاً في نفسه، ويغرس بذور العزة والكرامة في نفوسهم.

وأذكر أنه كان يسألهم تارة بمناسبة أيام الخميس والاثنين عمن صامهما تطوعاً، وعمن قام شيئاً من الليل غير الفريضة, فإذا أجابوا بالنفي ندب حال طلاب العلم في هذا الزمان.

أما جوده وكرمه وطيبته وحسن طويته، وحبه إسداء الخير للمحتاج فحدث عن ذلك ولا حرج.

وقبل أن أنهي الكلام على ما يتعلق بصفاته وأخلاقه أقرأ على مسامعكم هذه النماذج باختصار:

1 – وافق أنني تخلفت عن حج عام 1367 هـ ولما كان يوم عيد الأضحى رأيت أن أتناول طعام الغداء في منزل الشيخ، ووافق أنّ كثيراً من الطلاب ذهبوا للحج، فدخلت عليه والطعام بين يديه, ومعه أولاده, وعندما ألقيت السلام رفع رأسه وقال من غير تأمل أو تفكير: "الحمد لله الذي لم يُرني اليوم الذي آكل فيه وحدي ومع أولادي فقط" ..

2 – جاء في نظام أعمال دار الحديث التي وضعها دليلاً لدار الحديث بعد أن آل أمر نظارة مكتبتها وإدارة مدرستها إليه، وفي الفقرة (خ) وقع في خارطة البناء شقة للناظر أعلن من يومي هذا وأنا الناظر حالياً أنني متنازل عن سكناها لتسكنها أسرة الشيخ أحمد الدهلوي المؤسس، وأطلب ممن تولى النظارة بعدي من أبنائي وأحبابي أن يدعوا سكناها للمذكورين ما دام شرط النظارة لا ينطبق عليهم.

3 – شج رجل فقير معاند مخالف للشيخ في العقيدة رأس ابن الشيخ انتقاما من أبيه, وقامت السلطات بسجن الجاني, فحاول الشيخ أن يشفع في فك سراحه فلم يفلح، ولما كان آل الرجل محتاجين إلى من يعولهم أمرني رحمه الله بالإنفاق عليهم إلى أن يطلق سراح عائلهم، ولما علم الرجل ذلك رجع إلى نفسه، وثاب إلى رشده وكان سبباً لقبوله الحق.

أردت أن أضع هذه النماذج الثلاثة أمام السامع من غير تعليق عليها خشية أن أطيل فيكون الملل.

ولقد اشتغل منذ عام 1360هـ بالتدريس في المسجد النبوي وبمدرسة دار الحديث المدنية إلى عام 1364هـ حيث انتدب للوعظ والإرشاد بمدينة ينبع النخل، وعاد منها في عامه بعد أن أمضى فيها ثمانية شهور أسس خلالها قواعد متينة، وأشاد بنياناً راسخاً في العقيدة هناك. وأزال كثيراً من البدع والمنكرات، باللطف والحكمة والموعظة الحسنة. وربض في دار الحديث ليثبت أركانها، ويدعم بنيانها، ويعمر جوانبها بالعلم النبوي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير