[ترجمة الشيخ محمد المنصور]
ـ[د. يحيى الغوثاني]ــــــــ[15 - 02 - 06, 02:09 م]ـ
الشيخ محمد المنصور
(1)
الحمد لله على كل حال , ونعوذ بالله من حال أهل الضلال.
اليوم الأربعاء , آخر ورقة في تقويم هذا العام المكمل للعشرين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة.
وبه يكتمل حصاد هذا العام , من الأئمة الأعلام , وشيوخ الإسلام الذين اخترمتهم يد المنون , فإنا لله و إنا إليه راجعون.
إن وفاة شيخنا كانت خاتمة سلسلةٍ من الأحزان هذا العام , ولئن كان للحزن عام , فللمسرات أعوامٌ , ولئن كان للحصاد موسم فللبذار مواسم ولئن كان الموت خاتما في الرقاب , فإن هذه الأمة ولودٌ ودودٌ , ليست بحمد الله – عاقرا ً ولا فرُوكاً.
إنها أمة الأبدال والأبطال:
إذا مات فينا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعولُ
وما مات منا سيد حتف أنفه و لا طال منا حيث كان قتيلُ
يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطولُ
إي والله , لقد كان الشيخ مشتاقاً إلى لقاء ربه , عازفاً عن الدنيا , مستبطئا للموت , وكان يقول كل ليلة في مرضه: اللهم إني قد اشتقت إليك.
ولقد دعوت له مرة بطول العمر, فقال: وما أصنع بطول العمر؟ ولكن عسى الله أن يقبضني على الإسلام!
وفي مثل شيخنا أبى صالح يجمل قول الشاعر:
وكيف نُبكي فائزاً عند ربِّه له في جنان الخلد عيش مخرفج
وقد نال في الدنيا سناءً وصيتةً وقام مقاماً لم يقمه مزلَج
أبا صالح لهفي لذكراك لهفةً يباشر مكواها الفؤاد فينضج
سلام, وريحان, وروح, ورحمة عليك , وممدود من الظل سجسج
ولا برح القاع الذي أنت جاره يرف عليه الاقحوان المفلج
ويا أسفي ألا ترد تحيةً سوى أرج من طيب رمسك يأرج
عفاءً على دار ظعنت لغيرها فليس بها للصالحين معرج
(2)
لماذا احتفل الناس به؟
سرُ هذا الاحتشاد الغريب في جنازة الشيخ , والذي يشهد العارفون أن المنطقة لم تشهد له مثيلاً في جنازة قط يعود إلى أمرين:
أولهما: مواقف الشيخ المشهودة في الدعوة إلى الله , والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , بإخلاص وتجرد وسلامة قصد فكان محتسباً في ذلك أتم الاحتساب , قائماً به على أحسن وجه و مستصغراً نفسه في ذات الله تعالى.
والثاني: صدق الحال مع الله – نحسبه والله حسيبه – نسكاً وافتقاراً ومداومة على الطاعة.
لقد كان يصوم الاثنين والخميس وأيام البيض , ويتخفى بذلك عن أولاده وطلابه , ويغضب إذا علم أحد بذلك.
وكان يصلي كل ليلة منذ بلغ الحلم إلى أن مات ... أربع إلى خمس ساعات يقضيها في خشوع وتبتل وانكسار , ولا يرضى أن يحس أحد بذلك.
وكان يختم القران كل ثلاثة أيام حفظاً مجوداً حتى في مرض موته.
وكان يقوم على آلاف الأسر داخل المملكة وخارجها , يكفلهم ويحوطهم ولا يعلمون هم بذلك , بل يحتاط له أشد الاحتياط.
لقد فقدته المحاريب , ومجالس العلم , وحلق الذكر , كما فقدته الأرامل واليتامى والمساكين .. فلله دره , لقد كان نسيج وحده.
(3)
الأيام الأخيرة في حياة الشيخ:
منذ شهور والشيخ طريح الفراش , والأطباء يريدونه على بتر قدمه , ويخوفونه العواقب , وهو يرفض بإصرار , ويقول: أموت مكتمل الأعضاء .. وكل يرحل بأجله .. عشت من الحياة ما يكفي.
صحا ذات ليلة فدعا بالورق والقلم وطلب أن تكتب وصيته الأخيرة فكانت نداءً للمسلمين حكاماً ومحكومين أن يهبوا لنصرة إخوانهم في الشيشان , وألا يتخلوا عنهم في معركتهم مع الروس.
كان يقول: هذا أهم ما عندي , وآخر ما أوصي به.
فرحمة الله عليه , ما كان أعظم همه للمسلمين .. وأشد حدبه عليهم!
وفي يوم الجمعة حُمل على سيارة الإسعاف لنقله إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض فكان يقرأ القران طيلة الطريق , ويوم السبت وفي أخر النهار كان بعض ولده يعرض عليه كأساً من الحليب والشيخ جائع فيقول الشيخ: بقى جزآن , بقى جزء .. حتى انتهى من قراءة القران قبيل المغرب , ثم ظل يدعو ويلح ويتوسل حتى أذن المؤذن لصلاة المغرب , فقال: أصلي أولاً , فصلى , و لما سلم عن يمينه سقط رأسه , وقُبِضَ رحمه الله , وكأس الحليب في يد " عبداالملك ".
إنها خاتمة خير إن شاء الله.
(4)
الشيخ في سطور:
1 - محمد بن صالح بن منصور بن صالح المنصور.
أما " المنسلح " فهو لقب لجده صالح الذي انخزل من الشمال في ظروف خاصة.
¥