تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبقي له مشاركات في القضايا السياسية نحو عشر سنوات بعض الاستقلال قبل أن يتركها تماماً ويتجه للدعوة.

ولهذا قال لي غير واحد من أهل العلم هناك: إن غالب من دخل السياسة فسد، والشيخ عبد القيوم من الندرة الذين لم يتغيروا.

وحدثني بعض طلبة العلم هناك أن الشيخ كان إذا ألقى بعض الخطب في أمر سياسي يُنقل كلامه في الإذاعة.

وحدثني غير واحد في منطقة الشيخ عن مدى نفع شيخنا للمسلمين في إقليمه عبر جاهه، وحصل أن تسلَّط وزير أو مسؤول محلي على المسلمين، فذهب شيخنا بنفسه إلى رئاسة الوزراء في دِهْلي؛ وطلب إقالته وتأديبه، وتم ذلك ولله الحمد.

أما عن الشفاعات وخدمة المحتاجين من المسلمين عبر جاهه ومكانته فهذا له حديث مستقل.

ويجدر هنا تسجيل موقف شيخنا من حادثة تقسيم الهند وانفصال دولة باكستان (بشطريها) على يد محمد علي جناح، فيرى الشيخ ذلك خيانة عظمى من جناح، وتنفيذاً لمؤامرة الإنجليز على مسلمي الهند، وأنه بذلك ضربهم ضربة قاصمة، فبعد أن كانوا يتوازنون مع الهندوس ويقاربونهم عدداً، ويتفوقون عليهم في الرئاسة والاقتصاد والتعليم في الغالب، جاء التقسيم ليُلغي ذلك ويشطر المسلمين، ويجعل مَن بقي منهم في الهند أقلية مضطهدة مِن قبل الهندوس، وحصل ما حصل من قتل وتشريد ونهب في المسلمين، حتى قُدِّر قتلى المسلمين في التقسيم بمليون قتيل، ناهيك عما حصل من اضطهادات بعد التقسيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

موقفٌ آخر يجدر تقييده: رآني الشيخ مرة وقد أضافني أحدهم مشروب (البيبسي) البارد وقت شدة الحر، فأنكر عليّ الشيخ شربه، وقال: أنا لا أشرب هذا، لي أكثر من ستين عاماً وأنا مقاطع الإنجليز ولا أشتري بضائعهم، ولا أزال أقاطعهم حتى أموت!

وللعلم فإن كلا الموقفين هو موقف الزعيم أبي الكلام آزاد من قبل.

في الدعوة:

انتقل شيخنا من الحياة السياسية إلى ميدان الدعوة والتبليغ منذ خمسين سنة، وسافر خلالها إلى كثير من نواحي الهند، وأكثر ذلك في ولايات: يو بي، وبِهار، والبنغال الغربية، ودِهْلي، ومُمْبَي (بُومبَي سابقاً)، وكذا دولة نيبال المجاورة، فيخطب الخطب الطويلة، ويشارك في المؤتمرات الدعوية، وأكثر ما ينطلق في مواضيعه من تفسير القرآن الكريم بطريقة عجيبة في الربط والاستنباط والاستشهاد، حتى اشتهر شعبياً بلقب مفسر القرآن.

وأكثر ما يحب شيخنا أن يفسر الفاتحة، وموضوع التوحيد محبب إليه، ويقول: إن مجمل أنواع التوحيد ذكرت في سورة الفاتحة، ففي قوله: (الحمد لله) توحيد الربوبية، (الرحمن الرحيم) فيه توحيد الأسماء والصفات، (إياك نعبد) توحيد الألوهية.

واستغل شيخنا الامتياز الذي أعطته الحكومة بعد الاستقلال من السفر المجاني بالقطارات، فجاب البلاد في الدعوة.

قال لي شيخنا: أنا الآن أذهب إلى جميع البلدان النائية للدعوة، وأخطب خمس ساعات!

وقال لي الشيخ عبد القدوس نذير الهندي: إن الشيخ عبد القيوم أحاديثه محبوبة عند العامة عندنا، مثل الشيخ الطنطاوي عندكم، وإذا علم الناس بوجوده في مؤتمر جاؤوا ليسمعوا حديثه خصوصاً، فالمؤتمر الذي يحضره الشيخ يكون ناجحاً ومؤثراً في الناس عادة.

وقال لي شيخ آخر من المدرسين هناك، اسمه مجيب الله بن نعمة الله، وهو خريج الجامعة السلفية في بنارس، ثم جامعة أم القرى في مكة: الشيخ عبد القيوم ربما يخطب ساعات، وهو شيخ شعبي يحبه العامة كثيراً، مثل ما يحب العوام عندكم [يقصد في السعودية] الشيخ سعيد بن مسفر القحطاني، لأنه يتكلم بلغتهم، ويخاطب إدراكهم ومستواهم.

قلت: وقد عاينتُ بنفسي مدى حرص الدعاة على مشاركة الشيخ في المؤتمرات والمناسبات الدعوية، فكانت الدعوات لا تنفك تأتيه خلال قراءتي عليه، وحضر في تلك الأيام بضع مناسبات.

وأذكر لما شرعت في قراءة صحيح مسلم عليه جاءته دعوة لحضور مؤتمر في بَسْتي، فقام بعد العصر، وسافر بضع ساعات في القطار، وشارك في المؤتمر ليلاً، ثم عاد بالقطار -وما أدراك ما القطار هناك في المشقة! - صباح اليوم التالي لأُكمل عليه القراءة منذ وصوله الساعة الثامنة والربع، إلى الثانية عشر والنصف ظهراً، ثم قرأت عليه بعد الظهر شيئاً، ثم ذهب ليشارك في أحد الأعراس في القرية إلى العصر، ثم قرأت عليه بعد العصر، وبعد المغرب، وبعد العشاء، والشيخ لم يسترح من السفر بعد! ثم تركني أقرأ عليه من قبيل شروق شمس اليوم التالي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير