تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد مغادرة الديار المقدسة ذهب شيخنا إلى الكويت، حيث أقرأ مطلع سنة 1427 الصحيحين وبلوغ المرام، والعلل الصغير والشمائل للترمذي، وأطراف حجة الله البالغة، وسمع منه جملة من المشايخ وطلبة العلم، وعلى رأسهم المشايخ الفضلاء: فيصل بن يوسف العلي، ووليد المنيس، ووليد العلي، ومحمد بن ناصر العجمي، وأهله، وياسر المزروعي، وعبد الله حسين الصومالي، وأنس بن عبد الرحمن العقيل، وباسل الرشود، ويحيى الكندري، وابنه أنس، وصلاح مقبول الهندي، ونظام اليعقوبي البحريني، ورائد الرومي، وعبد الرؤوف الكمالي، وعيسى بن سلمان العيسى، وراشد بن شافي الهاجري، وعبد السلام الفيلكاوي، وغيرهم، وبعد الفراغ من القراءة عاد شيخنا إلى دياره معززاً مكرماً.

وأسامي من سمع على الشيخ في مكة والكويت مكتوبة مضبوطة عند من قرأ عليه، ولم يتيسر لي حال كتابة هذه الكلمات الاطلاع على جميع ذلك لأثبته تفصيلا.

ثم قدم شيخنا إلى الحجاز للمرة الثانية عصر الخميس 7 شعبان 1427 وأدى العمرة بحمد الله، ويبدأ القراءة عليه في المدينة -بإذن الله تعالى- عصر السبت 9 شعبان، أسأل الله أن ييسر ويبارك.

من أخلاق الشيخ وطباعه:

? يتميز الشيخ بالبساطة وعدم التكلف مطلقاً، وقد أقمت مع شيخنا مدة، فرأيته يتعامل بأريحية تامة، ويلبس لباساً بسيطاً أقرب إلى لباس الفقراء، مع أنه وجيه ومقتدر ومن عائلة ثرية وورث أراضي كثيرة، ورأيته يأكل ما حضر، وإذا انتهى من طعامه سكب ما بقي من صحنه في صحني! ومن أمثلة عدم التكلف ما حصل مراراً في صلوات العصر، فكنت أقدِّم جمعها مع الظهر، ويقوم الشيخ ليصلي العصر في المسجد، فيقول لي: أعطني قلنسوتك (طاقية الرأس)، فيأخذها ويلبسها ويمضي، وقد تعود وقد لا تعود! ومرة أراد ركوب العربة (الركشة) فقال بلا تكلف: لم أحمل نقوداً، أعطني عشر روبيات!

ومن بساطته وعدم تكلفه ما اشتهر عنه أنه ربما خرج من بيته، فيأتي إليه قوم ويدعونه لمؤتمر أو مناسبة، فيمضي معهم مباشرة، وقد يمضي أياماً ثم يعود إلى أهله، وقد اعتادوا على ذلك، وقد حصل ذلك معي، فلما لقيت الشيخ أول مرة في منزل صهره في بِجُوا وطلبت منه أن يصحبنا إلى مدرسة الشيخ عبد القدوس نذير في نَوْغَر؛ قام معنا مباشرة، وصحبناه ساعتين بالسيارة حتى وصلنا.

ومن ذلك قصة مشهورة حكاها لي الشيخان عبد القدوس نذير وزميله الحافظ عبد الله، وهي أن جماعة قدموا للشيخ وقالوا له: نريد أن نذهب بك إلى مؤتمر لأهل الحديث في دِهْلي (وهي على بُعد 15 ساعة وسطياً بالقطار العادي)، فقال: أنا لا أحمل نقوداً الساعة، وسآتي من المنزل بنقود، فقالوا: لا حاجة لذلك، أنت تركب القطار مجاناً، وكل الأمور مرتبة في دهلي، فذهب الشيخ معهم، فلما انتهى المؤتمر قالوا له: نحن نعتذر منك، فلم يبق لدينا شيء، صرفنا كل ما معنا! فما كان منه إلا أنه توجه إلى منزل رفيقه القديم نهرو؛ رئيس الوزراء، وقال للحرس: أخبروه أن فلاناً يريدك، فخرج إليه بكل ترحاب، فقال له الشيخ: أعطني خمسين روبية دَيْناً لأعود إلى قريتي! فقال نهرو: خمسون فقط! نعطيك خمسمائة دون مقابل! فأصرّ الشيخ على الخمسين وعلى الدَّين، فكان له ما أراد، وسافر!

وحدثني غيرهما بالقصة وزاد: أن نهرو أعطى الشيخ في يده مبلغاً كبيراً، فردّه الشيخ، فجادله نهرو ليأخذه، فما كان من الشيخ إلا أن قال: إن لم تعطني طلبي كما هو تركتك وأخذت من غيرك، فأعطاه المبلغ الصغير، وبمجرد رجوع الشيخ أرسله في ظرف لرئيس الوزراء!

ولما زرت الشيخ في مكة بعد الحج سنة 1426 كان عنده بعض الفضلاء يقرؤون عليه، وقدّموا العَشاء، وكان من الطعام المعتاد عند أهل نجد (كبسة ودجاج مع السلطة من المطعم)، فرأيتُ شيخنا منكراً الإكثار من الطعام، وقال مغضباً: ما هذا؟ هذه موائد الملوك!

? ومن خصاله الكرم البالغ، فقد أضافني أكثر مدة قراءتي عليه، هو وابنه الفاضل ظهير عالم، ورفضا أن أتكلف أدنى شيء، وقال لي شيخنا: أي أحد يريد أن يأتي إليّ من العرب فهو ضيفي. ولما انتهيت من القراءة وشكرت الشيخ على ما أبداه معي من كرم وصبر أصرَّ أنه لم يقدم شيئا، وقال: الفضل لله وحده، هو الذي هيأ ذلك، وأنا ليس لي منّة ولا فضل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير