تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأكثر من هذا بذلُه جاهه والشفاعة للمحتاجين وخدمتهم عملياً، فحدثني الشيخ عبد القدوس نذير عن مواقف شهمة للشيخ، كأن يأتيه رجل ويقول له: زوجتي مريضة، ولم يُدخلوها مستشفى مدينتنا، فيذهب معه بالقطار ليُدخلها المستشفى بنفسه بناء على وجاهته ومنزلته الرسمية في الدولة، وأكثر من ذلك الامتياز الذي يتيح له السفر مجانا في القطارات بصحبة مرافق معه، فكم جاءه بعض الفقراء وقال له: لا أملك ثمن التذكرة إلى المكان الفلاني، فيمضي به الشيخ ويوصله على أنه مرافق له ويرجع، وقد يطول السفر لأجل ذلك، وهذا من أشهر ما يكون عن الشيخ، وكاد أن يفعله معي، وذلك عندما تعذر الحجز إلى دهلي بعد فراغي من القراءة للازدحام الشديد في موسم الزواج، فأراد الشيخ أن يسافر معي ليوصلني بنفسه، ولم يتم هذا الأمر نتيجة إصراري الشديد أن لا يفعل! ويسّر الله الحجز بعدها بتذاكر السوق السوداء!

? ومن الصفات البارزة لشيخنا اهتمامه بالعبادات والسنن والنوافل، فقد رأيتُه مواظباً عليها دائماً، وقدّر الله لي المبيت في نفس الغرفة مع شيخنا في «نوغر»، فرأيته لا ينام إلا إذا توضأ وأوتر، وكثيراً ما يستغفر ويكبّر، ولحظته إذا غفا يحرك شفتيه بالذكر، وإذا انتبه يستغفر الله بصوت مسموع، أو يقول: الله أكبر. وفي إحدى الليالي انتبهت للشيخ وهو يستغفر ويسبح ويكبر، ويقول: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ثم قام في العتمة وتوضأ وصلى ما شاء الله له، ثم رجع للنوم.

وأرجو أن يكون ممن قلبه معلق بالمساجد، فكان دائما يسأل حال القراءة وبشكل متكرر: كم بقي للأذان؟ ولا سيما عند اقتراب وقته، ويحافظ على الجماعة حضراً وسفراً.

ولما كنت أقرأ عليه صباح الجمعة كان يسأل بين فينة وأخرى: هل قرأت سورة الكهف؟ هل اغتسلت للجمعة؟ ويبكر للصلاة، وكان يحرص على الجماعة دائماً، وربما أيقظني هو لصلاة الفجر أول الوقت، وكثيراً ما كان ينكر عليّ عدم الذهاب لجماعة العصر والعشاء في المسجد، مع أني كنت أقدمهما جمعاً لأجل السفر، الشاهد هو حرصه على نفسه وغيره في هذه الواجبات والنوافل.

? ومن صفات شيخنا الخشية والبكاء، فرأيت دمعه مراراً عند قراءة بعض الأحاديث، ولا سيما في الوعد والوعيد، وقد لاحظت ذلك من أوائل القراءة عليه، فلما مر حديث (أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم) تكلم على الحديث، ثم قال: والجنة والنار موجودتان، ثم انتفض ودمعت عيناه، وقال: نعوذ بالله من جهنم، وقال عالياً: الله أكبر! فقلت للشيخ: أعاذنا الله من جهنم، ونرجو لك أن تدخل في حديث: (خيركم من طال عمره وحسن عمله)، فانتفض وقال: الله أكبر.

وقد سجل الأخ الفاضل الشيخ بدر العتيبي عدة مواقف من بكاء الشيخ حال قراءة البخاري عليه في مكة بعد الحج سنة 1426، وذلك في رسالته «منحة الباري».

ومرة دار حوار مع الشيخ عن الإمام الألباني -وهو مقدِّمٌ له جداً- فانجر الحديث إلى ما حصل من أذية له وسجن، فرأيته يبكي عند سماع ذلك.

? ومن صفاته أنه يحب سماع القرآن من العرب، فكان يقدمني للصلوات الجهرية في مسجد القرية، ومرة صليت بهم العشاء، وقرأت آخر سورة الفرقان: ?تبارك الذي جعل في السماء بروجاً?، فطلب مني لما رجعنا إلى بيته أن أعيد قراءتها، فأما المقطع الذي يحب شيخنا سماعه هو آخر سورة مريم من ?أفرأيت الذي كفر بآياتنا?، وكان يحب أن أتلوه في الصلاة، وطلب أن أتلوه على مجمع الناس في اليوم الذي ودعتهم فيه في دودوهنيا، ثم لما زرت شيخنا في مكة بعد الحج الأخير قال لي: اقرأ هذه الآيات! فقرأتها ودمعه ينهمر، ثم لما اتصل بي عند وردوه الحالي لمكة قال لي على الهاتف: إني أحب أن أسمع منك سورة مريم!

? ومن طباع الشيخ أنه لا يحب الكلام عن نفسه، ويقول: ماذا تستفيد من معرفة حالي؟ ولما سألته عن أولاده أجاب باقتضاب، ثم قال: لا فائدة لك من معرفة أبنائي (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)!

? ومن صفات الشيخ ذكاؤه وحافظته، فقال لي الشيخ عبد القدوس نذير: أتعجب كثيراً من ذكاء الشيخ وحافظته، ولو تصدّر للعلم والتدريس مبكراً لفاق الشيخ عبيد الله الرحماني، تأمل كيف أنه درس الكتب من سبعين سنة أو أكثر، وإذا سئل عن مسألة دقيقة أتى فيها بالجواب؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير