تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال لي الشيخ الرحلة صالح العصيمي: لم أر في رحلتي للهند أقوى عارضة من الشيخين عبدالقيوم الرحماني ومحمد إسرائيل الندوي.

قلت: وكنت أسأل الشيخ عن بعض الغريب والمعاني أثناء قراءة الصحيحين فكان يجيب على الصواب، ومرة سألته عن كلمة غريبة فاستشهد لإجابته بشعر جاهلي، على أنه لم يستعمل اللغة العربية في حديثه المعتاد منذ زمن! وعلمت أن الشيخ يجيد عدة لغات، ومنها الإنجليزية والهندية، ولكنه قال لي: تركت استعمال اللغات غير الأردية والعربية.

وعلى ذكر شروح الشيخ فإني لم أتقصد أن يشرح الشيخ لي أثناء القراءة، بل كان أكثر سؤالي في الغريب، أو في فائدة وخاطرة عارضة، وأكثر الأسئلة كانت عندما أشاهد الشيخ سيغفو أثناء القراءة الطويلة، فأسأله كي أواصل القراءة، فكان يجيبني في حال النعاس بإجابات دقيقة غالباً، وبعضها عجيب.

ومن ذلك لما قرأت حديث فيه عائشة في البخاري: «كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات»، فرأيت من الشيخ بادرة غفوة، فسألته قائلا: إنما هما سورتان، سورة الفلق، وسورة الناس، فلماذا سميتا بالمعوذات جمعاً؟ فرفع رأسه وقال فوراً: نعم، هما معوذتان، ولكن في ذلك سرٌّ [وهذه كلمة يرددها شيخنا دائما، أي هنا فائدة أو نكتة]، فإن فيهما الاستعاذة من شر الإنس، وشر الجن، وشر الشيطان، والحسد، والسحر، وغيرها، فباعتبار ذلك المجموع هي معوذات.

ومرة وصلت عند حديث أن من أشراط الساعة أن يقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد، ورأيت الشيخ يكاد يغفو، فسألته: هل تفسير هذا الحديث هو حديث كثرة الهرج آخر الزمان وهو القتل، والقتال غالباً على الرجال، فلهذا يقل عددهم ويبقى النساء؟ فرفع رأسه وقال: هذا سبب، ولكن في هذا سر، انظر إلى قوله تعالى: ?وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين?، فتأمل في قوله (وبنين)، نص على البنين مع أنه يشمل الإناث أيضا، ولكن ذُكر البنون تغليباً، لأن الولد يكون عالماً، ويكون مجاهدا، ومؤذنا، وعاملا، ولذلك أراد داود عليه السلام كما في الحديث أن يولد له مائة غلام يجاهد في سبيل الله، ?وليس الذكر كالأنثى?، فالتقوى سبب لكثرة البنين، ولذلك تجد عدد الرجال عند المسلمين أكثر من النساء غالباً، أما في الغرب فالعكس، وفي آخر الزمان ذُكر انتشار الفواحش والفساد، وأنه يستغني الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فإذا فعلوا ذلك فأنى تأتيهم الذرية والذكور؟

? ومن صفات شيخنا حسن التعاهد والصلة، هكذا أخبرني بعض المشايخ الذين زامل شيخنا أباهم، ورأيته ذهب لحضور أكثر من جنازة لأصحابه، مع أن إحداها كانت تحتاج لسفر لأكثر من ساعتين بالقطار.

أما من جهة التلاميذ فقد حدثني الأخ الفاضل الشيخ خالد السباعي المغربي أن شيخنا بكى لما ودعه للسفر من مكة بعد انتهاء قراءة البخاري، واتصل الشيخ بي أكثر من مرة لما رجعت من الهند، واتصل بي مراراً لما جاء إلى مكة للحج سنة 1426 وكان يكرر السؤال عني أمام الإخوة الزملاء، ورغب أن أزوره، ولما زرته كان معي ابني عمر -نشأه الله على طاعته- وهو رضيع، وكان مريضاً، فوضعه على حضنه ودعا له، وما زال الشيخ بعدها في كل اتصال يسأل عن صحة ابني، وهكذا اتصل بي من مكة بعد وصوله الثاني إليها (الحالي) بأقل من يوم، وذلك صباح الجمعة 8 شعبان 1427 مع أنني والأخ السباعي من طلاب شيخنا، والحق له علينا، فجزاه الله خيراً.

? ومن صفاته أنه جمع فجائية القرارات مع شيء من حدة، فلا مجال لنقاشه! وهذا ينبغي أن يحسب له التلميذ حسابه! ويصبر عليه، وقد نُبهت عليه قبل لقائي بالشيخ! فكم من مرة قرر الشيخ أن نوقف القراءة، أو تركني وقام وأنا في وسط القراءة فجأة ليسافر يوماً أو أكثر! ولكن يسّر الله الأمور بمنّه وكرمه، فمن ذلك أني جئت لأقرأ على الشيخ في الصباح الباكر، فقال لي: سأعود إليك (بعد قليل)، وبعد أن أبطأ الشيخ سألت ابنه عنه، فقال: بعد أن قام الشيخ، جاءته دعوة لحضور عرس في دولة نيبال، فتوجه له مباشرة، ولم يعد الشيخ إلا متأخراً مع أذان العشاء!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير