[ترجمة الشيخ الزاهد محمد بن أحمد بن سعيد]
ـ[رياض السعيد]ــــــــ[02 - 09 - 06, 06:43 م]ـ
العقد الفريد
في سيرة الشيخ الزاهد
محمد بن أحمد بن سعيد
تلميذ الشيخ سعد بن عتيق، ورئيس ديوان الملك سعود
1322 - 1423هـ
تأليف
تلميذه الفقير إلى الله
رياض بن عبد المحسن بن سعد بن سعيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين
أما بعد:
في زمن اقشعرت الأرض فيه، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلة الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش، وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد أدلهم ظلامه.
يا لهفتا على زمان يلتمس فيه الصالحون المصلحون فلا يوجد منهم أحد إلا كالسنبلة إثر الحاصد.
فأهل العلم والعبادة والصلاح ذهب أكثرهم في هذه الأزمان المتأخرة وفي عصرنا هذا رحل عنّا نماذج يشبهون الرعيل الأول ولا حول ولا قوة إلا بالله، ذهب رجال ينشرون العلم ويعملون به، ذهب رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، ذهب رجال يبيتون لربهم سجداً وقياماً، وإذا تليت عليهم آيات الرحمن لم يخروا عليها صماً وعمياناً، هؤلاء الرجال الذين يتلهف عليهم الناس فيزحمون على بيوتهم جماعات ووحدانا.
ذهب أكثرهم وما بقي إلا القليل، مصداقاً لحديث مرداس الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يذهب الصالحون، الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة» رواه البخاري.
وصدق القائل:
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً **** فقد صاروا أقل من القليل
ويقول الإمام الذهبي رحمه الله في (تذكرة الحفاظ) متلهفاً على فقدان أهل الحديث: «أين أهل الحديث كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب».
وممن ذهب في عصرنا هذا من أهل العلم والعبادة الذين هم على قانون السلف: شيخنا شيخ الإسلام في وقته عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وفقيه عصره الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين، وشيخنا المحدث الكبير الإمام محمد ناصر الدين الألباني، وشيخنا ومجيزنا العلامة المحدث مجدد السنة في القطر اليماني مقبل بن هادي الوادعي، والداعية الكبير معلم القرآن والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، الذي لا يخاف في الله لومة لائم الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الفريان، وشيخنا المعمر الزاهد العابد بقية السلف الصالح محمد بن أحمد بن سعيد تلميذ العلامة سعد بن حمد بن عتيق والذي نحن بصدد كتابة سيرته العطرة.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم **** إذا جمعتنا ياجرير المجامع
وصدق القائل:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم**** وبقيت في خلف كجلد الأجرب
ولو أدرك الحافظ أبو نعيم الأصبهاني هذه النماذج لوضعهم في حلية الأولياء، ولو أدركهم ابن الجوزي لوضعهم في صفة الصفوة، ولو أدركهم الإمام الذهبي لوضعهم في سير أعلام النبلاء، لأن هؤلاء الرجال على شرطهم، فرحمة الله عليهم وجمعنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
هذا وقد عزمت على كتابة بعض الجوانب من سيرة شيخنا العابد الزاهد الورع محمد بن أحمد بن سعيد، وقد شجعني وطلب مني كتابة هذه الترجمة شيخنا ومجيزنا المعمر المسند فقيه الحنابلة وبقيتهم وإليه المنتهى في معرفة مذهبهم عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل حفظه الله وأحسن خاتمته، وقد كانت بين شيخنا عبد الله بن عقيل وشيخنا محمد بن سعيد علاقة من زمن تربطهما المحبة في الله والنصح له، وأيضاً طلب مني شيخنا داعية التوحيد في الجنوب عبدالله بن سعدي وأيضاً قد طلبت مني دارة الملك عبد العزيز بكتابة سيرة الشيخ محمد بن سعيد؛ وذلك لأن الدارة ستقوم بالعمل على إعداد موسوعة الأعلام الذين يترجم خلالها عن الأعلام الذين كان لهم دوراً سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً بارزاً، وأيضاً طلب مني بعض طلبة العلم ممن يعرف شيخنا وتأثر به بكتابة وجمع سيرته. وبما أنني كنت ملازماً لشيخنا مدة طويلة ولمعرفتي به معرفة خاصة حيث بيني وبينه صلة قرابة تعين عليّ كتابة بعض الجوانب من سيرته، وأسأل الله المعونة
¥