وفي سياق الحديث الذي لا ينقطع عن سيرة الراحل، أود أن أشير إلى دار الشيخ محمد بن سعيد في الرياض كانت إحدى الدور التي يرتادها طلبة العلم وذوو الحاجات من عامة الناس فكانوا يلقون من صاحب الدار كل عون ومساعدة، مع أنه لم يكن صاحب ثروة أو مال، لكن وجاهته وحبه للمساعدة كانا عوناً له في أن يتحقق عن طريقه كل ما أمله من يقصده.
وكان من رواد داره ممن أعرف عدد من طلبة العلم من آل الشيخ والشيخ علي بن داود، وصهره الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، والشيخ عبد الله المسعري، والشيخ عبد الله الخليفي، وغيرهم.
وكان الناس يقصدونه لا سيما من طلبة العلم ليتوسط أو يساعد في طباعة الكتب وتأمينها لتنشر بين طلبة العلم آنذاك.
بل كان مجلسه محطة لاستضافة العلماء والأدباء ممن يفدون إلى الرياض وأتذكر من بين أولئك الأفاضل شيخ جليل يدعى الشيخ محمد الفارسي الجاركي من بلدة (جارك) مدينة في إيران تقع على الضفة الشرقية من الخليج مواجهة لإمارة الشارقة وكانت فيما مضى تابعة لها، وكان سكان تلك المدينة من أهل السنة وقد تأثروا منذ القدم بالدعوة الإصلاحية التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب فكان ذلك العالم وغيره يحلون ضيوفاً على الحكومة .. غير أن هذا الأديب العالم حظي بترحيب خاص من الشيخ محمد بن سعيد فكان يزور مساجد الرياض، ويعظ ويُذِّكر، وكان آيةً في الحفظ والقدرة على قرض الشعر حتى أنه لا يرى حكمة منشورة أو قولاً مأثوراً فيطلب منه أن يُضمِّنه بعض أشعاره إلا وأجاب بعد دقائق معدودات منشداً تلك الحكمة ضمن أبيات من الشعر الجيد ..
وأذكر أن ذلك الأديب قد قام (بتخميس) أي (تضمين) عدد من القصائد الوعظية بناء على طلب الشيخ محمد بن سعيد ومن تلك القصائد قصيدة مشهورة للإمام الشافعي مطلعها:
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفساً بما حكم القضاء
كما خمس قصيدة للشيخ سليمان بن سحمان، وأخرى للحريري صاحب المقامات مطلعها:
خل الذكار الأربع
والمعهد المتربع
وأندب زماناً سلفاً
سودت فيه الصحفا
ولم تزل معتكفاً
على القبيح الشنع
وكل أملي أن تكون تلك الدرر محفوظة مع غيرها مما اشتهر الشيخ محمد بحفظه وصيانته ليتولى إخراجها أبناؤه الكرام في كتيب يبقى تخليداً لذكر هذا الرجل العزيز على أنفس الكثير من محبيه وعارفي فضله وسامعي ذكره، وأرجو ألا تكون تلك الدرر والأشعار قد فقدت مع ما فقد من كتبه التي حملها معه عندما ترك الرياض وعزم على المجاورة في مكة عام 1385هـ حيث كان يملك الكثير من الكتب والمخطوطات الثمينة، وكان يحتفظ بها طيلة حياته. وفي مكة أودعها – خلوته المعروفة – في الجزء السفلي من المسجد الحرام. فكان من سوء الحظ أن احتل البغاة مع قائدهم سيئ الذكر (جهيمان) تلك المنطقة من المسجد التي تعرضت لإطلاق المياه عندما أريد إخراج البغاة من (القبو) فكانت مكتبة الشيخ محمد بن سعيد في تلك الخلوة، فتعرضت للتلف، ولا أعلم شيئاً عما بقي منها، بل الذي سمعته أن صاحب تلك المخطوطات والنوادر التي حصل عليها عندما كان في الديوان الملكي حيث كان الملك سعود – رحمه الله – يأمر أن تعطى تلك النفائس من الكتب والمخطوطات التي تهدى إليه بعد أن يطلع عليها للشيخ محمد بن سعيد لينتفع بها ويمتلكها ويستفيد منها. سمعت أنه قد حزن حزناً شديداً على فقد تلك النفائس والأوراق والكتب المخطوطة بعد أن عرف أنها قد تلفت وجرفتها المياه.
رحمك الله أبا أحمد رحمة واسعة، وجزاك عما قدمته خير الجزاء ولا نملك أمام قدر الله إلا أن نرفع مع أبنائك وذويك ومحبيك أكف الضراعة إلى الله العلي القدير أن يسبل عليك شآبيب الرحمة والغفران، وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان.)
انتهت الترجمة
وكتب رياض بن عبد المحسن بن سعيد
الرياض
1423هـ
ـ[أبوسعد التميمي]ــــــــ[02 - 09 - 06, 07:06 م]ـ
جزاك الله خيراً على هذه الترجمة وأنا ممن زار الشيخ في مكة وهو يذكر بحال السلف الصالح، وللفائدة فقد أجازه الشيخ سعد بن عتيق كما في فتح الجليل للأخ زياد تكلة
ـ[أبوسعد التميمي]ــــــــ[09 - 09 - 06, 01:00 م]ـ
الشيخ محمد بن سعيد رقيق القلب جداً واذكر أنني زرته وأنا في مكة وكان من عادته استقبال الناس بعد العصر فكنت أزوره كل يوم وعندما دخلت عليه وجدته خاشعاً منكسر القلب سريع الدمعة فقال لي هنا بشرى عظيمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقلت ماهي فقال في سورة الضحى في قوله (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ثم قرأ علي تفسيرها وما ورد فيها من الأحاديث وأن الله قال يامحمد سنرضيك في أمتك ثم بكى الشيخ بكاءً شديداً وبعدها خرجت من المجلس ثم أصبحت أزوره كل يوم وهو مازال واقف يردد هذه الأية ويقرأ تفسيرها ويبكي إلى سبعة أيام، ونحن نقرأها كثيراً ولا نتدبرها فالله المستعان.
ـ[أبوسعد التميمي]ــــــــ[09 - 09 - 06, 01:05 م]ـ
بل من العجائب أن الخواص من زوار الشيخ محمد بن سعيد من أهل الصلاح والتقوى لايذكرون أحاديث الجنة والنار والقيامة في مجلسه رأفة بالشيخ لأنه شديد البكاء والحزن وهو يصارع شدة المرض
¥