تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لابد في الواقع الدعوى المعاصر من ضرورة التفهم للمتغيرات التي حدثت وتحدث ومن ضمنها بروز التكتلات، بحيث تتطور أساليب الدعوة بتطور المتغيرات، ولذلك نرى أنه من الواجب أن يكون التصور التطبيقي للدعوة قائمًا على حسن الإدارة والتنظيم، وذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالفوضوية والفردية لا يمكنها أن تحقق نهوضًا ولا أن تقيمه، والمتتبع للسيرة النبوية يلحظ الكثير من استعمالات النبي صلى الله عليه وسلم للآليات المتبعة في تنظيم وإدارة المشاريع الدعوية والحضارية كاعتماده آلية الإحصاء قبل الهجرة واعتماده الأصول الثلاثة التي قامت عليها الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة وأعني بها "وثيقة المدينة، تأسيس المسجد، توثيق عرى الأخوة" وغيرها كثيرٌ لا يتسع المجال لتتبعه.

· هناك – شيخنا الفاضل – من يرى أن التنظيم بدعة ويعادي من أخذ به؟

على كل حال، إذا اجتمع مجموعة من الناس فنظموا أنفسهم، فهذا لا يخلو من كونهم انتظموا على حق أو على باطل، فإن انتظموا على الحق فهو أمر طيب ومطلوب، أما أصحاب هذا الطرح – أعني القائلين ببدعية التنظيم – فمعلوم سلفًا أن طرحهم هذا لن يؤدي إلى تحقيق أهداف الدعوة الإسلامية، فالمنع من التكتل والاجتماع على الأهداف والوسائل التي يرجى بها تحقيق غايات الدعوة الإسلامية، ومعاداة التكتلات المنضوية تحت منهج أهل السنة والجماعة، والتحذير منها والسعي لتفكيك اجتماعها وتبديد جهودها والتشكيك في أهدافها، ثم الإتيان بحلول نظرية غير واقعية، كل هذا إنما هو ديدن من لا يملك منهجًا واضحًا شاملاً للتغيير وتطبيق شرع الله، فلا هو تبنى الدعوة بشمولها وخاطب الأمة وحركها بمنهج يستوعب جميع طاقاتها ولا هو أفسح المجال لمن يسعى إلى ذلك وتعاون على البر والتقوى.

· وماذا عن الذين ينبذون التنظيم بدعوى محاربة التعصب والحزبية؟

النظام شيء والتعصب للتنظيم شيء آخر، ولا يرقى إلى المستوى الذي يصبح معه سببًا يلزم منه نبذ التعصب فهو ناتج عن ضعف في التربية وقصور في النظر. ثم إن في المسألة تفصيل فإذا قلن: إن فلانًا حزبي، فماذا نعني بالحزبي؟ أهو الرجل المتعصب لجماعته أو لشيخه أو لقبيلته بالباطل؟ فهذا مذموم. أم أننا نريد بالتحزب والتجمع على ا لحق والتعاون على الدعوة تحزبًا مذمومًا؟ فإن أردنا ذلك فهذا ليس عيبًا شرعيًا .. إن هي إلا أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان.

· شيخنا الفاضل: عدم مراعاة منهج أهل السنة والجماعة مع المخالفين من أبرز سمات تيار عريض من أبناء الدعوة السلفية، فما أبرز مقومات ذلك المنهج لدى سلفنا الصالح من وجهة نظركم؟

أبرز مقومات ذلك المنهج السلفي العظيم في التعامل مع المخالف:

1 - الرسوخ في العلم، فأنصاف المتعلمين يفسدون أكثر مما يصلحون.

2 - تحرير محل النزاع والابتعاد عن الإجمال والإبهام والتهويش على المخالف.

3 - العدل في الحكم على المخالف ولو جار عليك وظلمك. قال تعالى: (وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى:15]. هذا مع أهل الملل، فما بالك مع الفصائل الإسلامية الدعوية.

4 - حسن الظن بالداعية المسلم وحمل كلامه على ما أراد، لا على ما تريد أنتَ من التشنيع عليه وتحميل كلامه ما لا يحتمل، نظرًا لما نعلمه من مقصده الحسن وسابقته في الإسلام والدعوة.

5 - الحرص على أن يكون القصد من الحوار جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، لا أن يكون تشقيق العمل الإسلامي وتقسيمه هدفًا من الحوار والردود.

6 - المحافظة على بقاء الولاء والمناصرة، وألا تجعل الردود على المخالف وسيلة للقضاء على هذا الأصل العظيم: (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].

7 - الشهادة والاعتراف بما أحسن فيه المخالف وأجاد ووافق فيه الحق، لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) [البقرة:143]. ولا نتعامل مع بعضنا بالمبدأ اليهودي والنصراني الذي حكاه القرآن الكريم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) [البقرة: 113].

هذا ما أستحضره في أصول المنهج السلفي في الرد على المخالف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير