والعشرين من رمضان, طلب -رحمه الله- أن انزل إلى مكة المكرمة، وما كنت قد أعلمت مسبقاً بأني سأكون إماما للحرم المكي الشريف أو سأتولى الإمامة ليلة ثم يأتي بعدها تعيين رسمي بالإمامة, فنزلت تلك الليلة وبعد الإفطار طلب مني التوجه إلى المسجد الحرام للصلاة بالناس في تلك الليلة, وكان المقرر هو تلك الليلة فقط ولكن بعض من الشخصيات والأعيان الموجودين في مكة طلبوا منه -رحمه الله- أن أبقى في الليالي التالية حتى بعد رحيله -يرحمه الله- إلى الطائف مرة أخرى وبقيت إلى ليلة التاسع والعشرين ثم صدر أمره -رحمه الله- بتعييني إماما في المسجد الحرام.
ورغم أن الشيخ علي جابر فوجئ بإمامة المصلين في صلاة التراويح إلا أن المصلين لم يشعروا ولم يلاحظوا تلك الرهبة المعهودة على الأئمة عندما يقف لأول مرة على المحراب للإمامة فما بالك بمحراب المسجد الحرام الذي يمر أمامه الطائفون ويصلي خلفه الملايين في ليالي العشر الأخيرة من رمضان, فلم ينتب الشيخ علي جابر رهبة الموقف حيث يقول عن ذلك الموقف: (من حيث الرهبة فلم تأتني وذلك بحكم أنني سبق أن تعودت الإمامة سابقاً, لكن ما من شك أن الشعور عظيم والإنسان يؤم المصلين بذلك العدد الكثيف في بيت الله الحرام في أول بيت وضع للناس الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً, وهذه السعادة لا يمكن أن تعبر عنها كلمات أو عبارات إنما أقول إنه لم يكن تكليفاً بقدر ما هو تشريف).
ثم صار الشيخ إماماً رسمياً بالمسجد الحرام يؤم الناس بصوته الشجي في صلاة الفجر بالمسجد الحرام عام 1402هـ وفي صلاة التراويح والتهجد وهو العام الذي توفي فيه الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله-.
طلبه الإعفاء من الإمامة بالمسجد الحرام
في عام 1403هـ ولظروف عديدة تقدم الشيخ بطلب الإعفاء من الإمامة بالمسجد الحرام ووافق عليه مسئولو رئاسة شؤون الحرمين، وفضّل أن يرجع إلى عمله بالتدريس الجامعي في المدينة المنورة ولعلنا نذكر منها شدة تعلق الشيخ ببر والدته في المدينة وكونه كثيراً ما كان من ورعه ينبه ويقول: "إن الإمامة ولاية ومسؤولية عظيمة خاصة إمامة المسجد الحرام"، ورغبته في نفس الوقت بمواصلة مسيرته في طلب العلم وتدريسه من خلال عمله الوظيفي وهو التدريس الجامعي بالمدينة النبوية التي نشأ وطلب العلم فيها وعاصر فيها نخبة من كبار العلماء وكان متعلقاً بها ويسافر إليها من مكة كل يوم أحد وثلاثاء ليباشر عمله في التدريس الجامعي فيها، وكذلك ما تعرض له الشيخ من ابتلاءات عديدة بسبب الشهرة الكبيرة التي حصلت له من إعجاب الناس بتلاوته في المسجد الحرام وكونه أبرز من شد الناس بتلاوته في المسجد الحرام في ذلك الوقت وحتى الوقت الحاضر، فقد جلبت له الشهرة مع كثرة المحبين حساداً على ما من الله به عليه، ومن الابتلاءات أن الشيخ - رحمه الله - فقد صوته تماماً لعدة أشهر ثم من الله عليه بالشفاء ورجع له صوته العذب وذلك قبل أن يتقدم بطلب الإعفاء فلعل هذه الظروف مجتمعة من العوامل التي دفعت الشيخ لأن يتقدم بطلب الإعفاء من إمامة المسجد الحرام ليتفرغ للعلم والتعليم بالمدينة وبر والدته ويتورع عن تحمل أمانة ومسؤولية الإمامة في المسجد الحرام والشهرة التي يسعى إليها الكثيرون وينأى بنفسه عن حسد الحاسدين، والله أعلم.
التدريس بالمدينة النبوية
وبعد ذلك عاد الشيخ إلى المدينة النبوية مجدداً ليمارس عمله محاضراً في قسم الدراسات الإسلامية واللغة العربية بكلية التربية بفرع جامعة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة.
رحلته إلى كندا
وفي نفس العام ابتعثته الجامعة لدراسة اللغة الإنجليزية في كندا فمكث فيها ثمانية أشهر وسجل فيها مصحفه المرتل الذي يذاع حالياً في إذاعة القرآن الكريم.
ثم رجع إلى المملكة في شهر ربيع الأول عام 1404هـ وتوجه إلى المدينة المنورة واستمر في عمله محاضراً بكلية التربية، وكان يصلي بالناس في رمضان ببعض مساجد المدينة النبوية.
تحضيره لرسالة الدكتوراه
في عام 1405هـ تقدم إلى المعهد العالي للقضاء بالرياض لتسجيل موضوع رسالته لنيل درجة الدكتوراه في الفقه المقارن فتمت الموافقة وبدأ الشيخ تحضيره لرسالة الدكتوراه بعنوان: (فقه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق موازناً بفقه أشهر المجتهدين).
¥