تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلقد رأيت من ذلك شيئا عظيمًا قَلَّ أن يتفق لأحد في هذا الزمان إلا الأفراد الذين يعدون على الأصابع فيما أعلم وإن كانت الشرطة لتدخل محل الشيخ بمنظر مهيب يبحثون عن اللحم ويتأكدون من الأختام والشيخ في ذلك جالس ما قام لهم ينظر إلى الأرض ولا ينظر إ ليهم والسوق من حوله يرتجف، وكان هؤلاء الضباط يهابونه جدًّا كأشد ما ترى من هيبة، وأحس أنه يتمنى الخروج من محل الشيخ من فرط هيبة الشيخ، فلو كانت هناك تعليمات قالها للشيخ وبكل أدب ثم يسلم وينصرف، وهذا أمر نادر كما هو معلوم لمن عالج هؤلاء القوم وإني لأحدث عن نفسي، فكان الشيخ ربما احتد وهو يتكلم في الموضوع فيعلو صوته فأجد خوفًا في نفسي يعلم به الله تعالى، بل إن لم يتكلم وسكت لكنه لم يضاحكني وجدت ذلك أيضًا وربما قيل: إنني متكلف في ذلك لفرط تعظيمي للشيخ، فأقول: فكيف بمن لا يعرفه ودخل عليه لأول مرة وهو من العوام؟! فلقد حدثني منذ أيام من كتابة هذه الأسطر بعض الإخوة أنه ذهب إلى الشيخ في مسألة، قال: فكنا نرتجف حتى خرجنا من عنده، ولا أبالغ إن قلت: إن كل من خالط الشيخ وجد هذا حتى من الذين لا يصلون فهذا بائع في السوق رأيت منه ذلك بعيني وكان قد باع للشيخ رياشة لتنظيف الدجاج بثمن آجل فجاء يطلب الثمن قبل الموعد فاستأذنت الشيخ في كلامه وتفهيمه الأمر إجلالًا للشيخ أن يعامل مثله فأذن فكلمته فإذا به يتمطى ويشير في كلامه إلى أنه لو أراد سرقتها من الدكان لسرقها وهو في ذلك واضع قدما على أخرى وأنا أريد مسالمة هذا الجاهل حتى لا يحتك به الشيخ، وبينما نحن كذلك إذ دخل الشيخ فإذا به ينزل قدمه العليا عن السفلى ويحمر وجهه ويشير إلى بأصبعه السبابة قائمًا على شفتيه ـ يعني يريد أن يقول: لا تقل له ما حدث ـ فلما تكلم الشيخ، قال له متلجلجًا: يا شيخ قد أنهيت هذا الأمر مع البركة ده - هذه عبارته- قال الشيخ: مَنْ البركة؟ فقال له وأشار إِلَيَّ، فقال الشيخ: سمير؟ طيب، ثم انصرف الشيخ وأخذت أنا وصاحبي نوبخه ونضحك عليه وأخبرت الشيخ فضحك أيضًا.

نور الوقار وعز سلطان التقي فهو المهيب وليس ذا سلطان

*أما عن زهد الشيخ وورعه:

فأمر مشتهر كاشتهار النار على علم، فالكل يعلم ورع الشيخ الشديد حتى أن بعض الجهال يظنه متشددا وليس هو كذلك كما سأبين إن شاء الله تعالى. والمقصود أن الشيخ نسيج وحده في هذا المضمار فاقرأ تجد عجبا. ربما أومأ الشيخ إلى الأرض ليلتقط بعض أوراق الجرائد ثم يضعها في حقيبة معه يحملها دائمًا ولم أكن أعلم سبب حمله لها قبل هذا الوقت، فسئل الشيخ عن هذه الأوراق فقال: هذا الورق من الجرائد من صفحة الوفيات فيها، وتكثر فيه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ لذلك أُجِلُّهَا أن تكون على الأرض وتحت أقدام الناس، وحدثني من كان يعمل مع الشيخ: أنه كان لا يشتري نوعًا من البضائع التي كتب على غلافها اسم من أسماء الله ويشتري غيرها ممن يخلو من هذا ويترك الشئ لأقل شبهة! قال هذا الأخ: إن الشيخ وجد على صفيحة ملح اسمًا من أسماء الله تعالى فأمر بردها ولم يقشطها ليكون قد أمر غيره بالمعروف وقد أتت هذه بثمارها، فحدثني هذا الأخ: أن شركة السكر غيرت اسمًا اتخذته كشعار لها لأجل رد الشيخ عليهم بضاعتهم، وكان حدثهم بالسبب فكان اسم الشركة الكريم فغيروه بعد معرفة المسألة من الشيخ، قلت: فأين هذا ممن يتساهل كأشد التساهل ويعد فعل الشيخ من التشدد بلا طائل؟!! ولقد ترك الشيخ شراء الذبيحة من المذبح مع أنه هو الذابح لها بيده وأخذ يشتري من تاجر مثله وتحمل الفرق، وقال بعض العاملين عنده: إنه ربما ترك الدجاجة لا يبيعها لأقل شبهة طرأت له وكان يشتري الدقيق الأسمر من بعض الباعة أيام كان علَّافًا فأخبر بعد ذلك أنهم يشترون هذا الدقيق من الأفران الحكومية وليس ذلك لهم فقطع الشراء من هذا الدقيق ثم حسب المبلغ الذي دفعه في هذا الدقيق من قبل ثم اشترى تذاكر القطار ثم قطعها، وقال: هذا مال الحكومة وينبغي أن يرد إليها، وأعطاه بعضُ الإخوة يومًا كتابًا وقال: هذا قد طبع على نفقة بعض من كان يضع أمواله في البنوك فلما علم الحكم أفتاه بعض الناس بأن يشتري بفوائد أمواله كتبًا وشرائط ويوزعها مجانًا، فقال الشيخ: هذا غلط وهذه أموال ينبغي أن ترد إلى أصحابِهَا، وأصحابُهَا هم الحكومة فيشتري شيئًا حكوميًا لا ينتفع هو به

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير