تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القرآن عن ظهر قلبه وهو به ماهر جدًا ومع مهارته يحب أن يقرأ من المصحف، قلت: وحدثني ولده عبد الله أن الشيخ يقرأ ورده كل يوم تسميعًا لا ينظر في المصحف، قلت: لقد ذكرنا الشيخ بالسلف فهذا مسروق بن الأجدع حج فما نام إلا ساجدًا كما قال الذهبي في السير.

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

*وأما عن طلب الشيخ للعلم: فتقول أم يحيى: لقد رأيت علماء كثيرين كانوا لنا جيرانًا لكنني ما رأيت مثل الشيخ قط لا يتواجد في البيت إلا ومعه الكتاب وإذا دخل مكتبته مكث بالساعات لا يطلب طعامًا ولا شرابًا ولا كوبًا من الشاي كغيره، وربما أخبرته بوجود الطعام فلم يخرج إليه حتى أكون أنا التي أذكّره فيقول لي: والله لقد نسيت، وربما لا ينام إلا ثلاث ساعات ثم يقوم مجدًا في طلب العلم وربما نام أكثر من ذلك قليلًا على حسب طاقته، ولعل هذا هو الحادي لأخي على أن يزوجني من الشيخ حيث كان يقول: ما رأيت مثله قط، قالت أم يحيى: بدأ الشيخ حياته العلمية بدراسة الفقه، قلت: فصار مزكى فيه وهو ابن أربعة وعشرين سنة كما سيأتي في ثناء الشيخ محمد عمرو، قالت: ثم اعتزل الناس ثلاث أو أربع سنين وعكف على طلب الحديث، قلت: فصار ممدوحًا فيه أيضًا من قبل الأكابر كالعلامة الألباني، قالت أم يحيى: وكان يأتيه الدكتور محمد عبد المقصود فيستفتيه، وكذا كان يأتيه الشيخ: مصطفى محمد و نخبة من العلماء كانوا أيضًا يأتون الشيخ للفتوى ومناقشة المسائل، قالت: وما رأيت أحدًا دخل على الشيخ قط إلا كان معه كالطالب بين يدي أستاذه، وقد أتاه بعض العلماء في مسألة ليناظروه فعرضوا أدلتهم في ربع ساعة تقريبًا ثم تكلم الشيخ تمام الساعتين حتى أبهرهم بعلمه، قالت أم يحيى: ربما كَلَّ الشيخ من القراءة فيستطرح على الفراش وحتى ينام يأمرني أن أقرأ له. قلت: يا لله العجب ما سمعنا بهذا إلا في آبائنا الأولين.

هيهات أن يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل

*أما عن بكاء الشيخ وتأثره بالسلف: فتقول أم يحيي: إن الشيخ يخفي هذه الأشياء جدًا حتى لا تكاد تراها عليه. قلت: يراها عليه ويعرفها من قرأ عن السلف ونظر إلى قسمات وجه الشيخ حفظه الله تعالى فلا مدفع لهذا البكاء أبدًا إذ الدنيا لا تخلو من مواقف مؤثرة ربما كانت هذه المواقف في الخلوة وربما كانت في الجلوة ولابد أن يعرّف اللهُ الناسَ بأقدار عباده الصالحين فالبخاري كان يخفي دخوله المسجد لالتقاط الشوائب العالقة بأرضه لكن أبى الله إلا أن يطلع على ذلك بعض عباده حتى نترضي عن البخاري رحمه الله وفى كتب أهل الكتاب أوحى الله إلى بعض أنبيائه قل لعبادي يخفوا أعمالهم وعليٌ إظهارها، وهذا عمل الجارحة فكيف بعمل القلب؟! فإنه لابد من ظهوره ولو طال إخفاؤه، فقلوب العباد في زيادة وهذا أدعى لظهور ذاك. ولله در عائشة رضي الله عنها حين قالت:

من لا يزال دمعه مقنعًا فإنه في مرة مدفوق

قالت أم يحيي حفظها الله: أما عن بكاء الشيخ فإنه لا يظهره لكن أعرف خشوعه عند قراءة القرآن فإذا قرأ كأنه انفصل عن الدنيا وما رأيته بكى إلا مرة واحدة كان يذكرنا بسيرة الإمام أحمد فأطال في سيرته وأسهب وأكثر ثم قال وهو يسردها وقد تغير وجهه: هؤلاء هم السلف هؤلاء هم السلف ثم فضخ البكاء وقام عنا وانصرف. قلت: فلله در الشيخ يعيش معنا وروحه مع السلف ألا فليتعلم طلاب العلم، فهذا هو الدواء الناجع والإكسير النافع لأمراضنا.

جسمي معي غير أن الروح عندكم فالجسم في غربة والروح في وطن

فليعجب الناس مني أن لي بدنًا لا روح فيه ولي روح بلا بدن

*أما عن زهد الشيخ فتقول أم يحيى: ما أمرني مرة بكي قميصه لكن إن فعلت فلا بأس ولو قلت له: انتظر حتى أقوم بكي القميص فيقول: أنا لا أهتم بمثل هذا وما رأيته يجدد في البيت بمعني أن يهدم القديم ويأتي بجديد، وكان يقول: لا أهدم لبنة من بيتي سليمة لأبني مكانها أبدًا، قالت: وأقل شيء يرضيه، ما عاب طعامًا قط، ثم قالت: لو ترك الشيخ لعاش على حصيرة كالأوائل ولا يكترث بخشونة العيش وقلة ذات اليد، لقد ترك الشيخ الدنيا من شله. قلت: وقد قدمت شيئًا مما رأيت منه في ذلك في صدر هذه الرسالة ولله الحمد والمنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير