وهذه قصة أخرى شاهدتها أيضًا وهي أن رجلًا كان كثير المعارضة للشيخ وكان كثير الإنكار عليه لا سيما في قراءته بحرف الضاد، خصوصًا أن الشيخ يظهرها في الصلاة السرية أيضًا فتسمع منه وكان لهذا الرجل على عدائه هذا أعوان، فوالله لقد سمعت من العامة ذمه وبشدة بعد الرضى عنه والقبول وتفرق الناس من حوله حتى أقرب الناس له والموافقون على كلامه، وقد رأيت أعوانه قد ابتلي أحدهم بحادث على إثر ملاحاة كانت بينه وبين الشيخ بسبب تأخر الشيخ في المسجد فأساء الأدب مع الشيخ، ثم انصرف فارتطم بعدها بسيارة هشمت عظام أسفل حقوه، فلما أفاق من الجراحة والتي هي تركيب مسامير صناعية بدلًا من عظامه المتهشمة، فلما أفاق كان أول كلام دار على لسانه أن قال لزائره: قل للشيخ عطاء يسامحني فأخبر الشيخ، فقال: أما إني سأدعو له. وآخر اختلف مع الشيخ في مسألة يسوغ الخلاف فيها فتعصب لرأيه وطفق يسب الشيخ ويدعو عليه فأراد أن يحفظ الناس القرآن فقطع شوطًا كبيرًا ولم يخرج واحدًا يستظهر القرآن، ولقد رأيته يطلب منه إماما في بعض المساجد فكان يأتي كل يوم بواحد ليختبره عمليًا فيخطىء ويكثر خطؤه، وهكذا دواليك حتى عرض أمام عيني ثلاثة أو أربعة ما أحسن أحد منهم الصلاة بالناس فضلًا عن أخطاء في الأداء، وهكذا ما تخرج من تحت أيديهم رجل يملأ العين، وكيف تنبت أرض نكد ليس فيها كثير خير حتى تبثه في غيرها، ولكنهم عن هذا غافلون وهذا القصاب الذي ذكرته في صدر هذه الرسالة والذي فرح لما أخذ الضأن من الشيخ وأخذ يغني ويرقص ويظهر الشماتة، أقسم بالله لقد رأيت شقته بعد صلاة العصر حرقت تمامًا وما راعني إلا لما رأيت أهل بيته، فعلمت بعدها أنها شقته وكانت حديثة الشراء والتشطيب.
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (ابراهيم:42)
خاتمة
الحمد لله وكفي وسلام على عباده الذين اصطفي لا سيما أميرهم المجتبى صلى الله عليه وسلم أما بعد.
فها قد رددت الطعون بما فتح الله عن شيخي وسيدي النادرة الشيخ عطاء، وليس ذلك لإماطة الأذى عن الشيخ خشية أن يلحقه أو أن يتدني لا. لا. فالشيخ نجم وبينه وبين ذلك مثل ما بين الثرى والثريا، ولكنني أرد ذلك لتعليم ناشيء مسلم وردع مصر مجرم، فمن المعلوم أن هناك طلاب علم نشأوا لا يعرفون الشيخ ولا رأوه ولست الآن بصدد تفصيل أسباب ذلك، لكن ليعلم القاصي والداني أن الشيخ سماء بالنسبة لهذه الطعون المغرضة وما طعن عليه ولا سبه إلا حاسد مأفون، وكل من طعن عليه سفلة لا يرفعون إلى الآن رأسًا ولا وزن لهم عند العالمين ولا ينبؤك مثل خبير، ومن المعلوم أن طعن هؤلاء الذين هم بهذه الصفات إنما هو عند العقلاء مدح لا ذم كما قال الشاعر ولله دره:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهو الدليل على أني كامل
فلتحلق يا شيخنا في سمائك العالية التي تربو عن الدنايا ولتربأ بنفسك عن مخالطة أمثال هؤلاء الطاعنين الجاهلين وقد رزقك الله ثلة من المخلصين يذودون عنك كل كذب وزور وافتراء ولتتجلى في حلتك الزاهرة القشيبة ليلوذبك النشأ الطيب الذي يبحث عن العلم مع العمل لينهل من بحرك الزاخر ويقطف من بستانك الوارف العامر نفعنا الله بك وزادك علمًا إلى علمك وشرفًا إلى شرفك وتقوى إلى تقواك، ولتتقبل يا سيدي مني هذه الأبيات اعترافًا بفضلك ومدحًا مني لشخصك ولا أدعي عصمتك لكنني أشهد بالله أني لم أر مثلك ولم أبالغ في أبياتي هذه بل هذا ما أعتقده فيك ولا أظن يخالفني في ذلك كل منصف فلا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا أولو الفضل، وكما قيل: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وقد استمجد شيخنا على كثير ممن يليه؛ لذا قلت فيه:
ماذا أقول وقد فقدت بناني وأنا أحدث عن إمام عالي
جفت دمائي في العروق وذاك من فرط اكتراثي بسيرة المفضال
لا تحسبن أخي أني مفرط أو أنني في الشيخ رجل غال
لو قد عرفت الشيخ عن كثبٍ لقلت كثير مدح الشيخ فيه قلال
بل لو نظرت إليه نظرة منصف لرأيت زهد صحابة أو تالى
لو شئت فانظر علمه أو همه أو قوله أو فعله أو حال
ستري بحق نسيج وحد نادر هذا سراج زماننا المتلالي
يا رب فاقبل سيرة في شخصه واربط على قلبي السليب العاني
ولك المحامد كلها حمدا كما يرضيك لا يبلي على الأحوال
واغفر بفضلك للذي لها قد نظم ما ناح قمري على الأطلال
ثم الصلاة على النبي محمد وعلى الصحاب وتابع والآل
(من ديوان:الشيخ الإمام للمؤلف)
وأخيرًا أخي في الله تعالى: هذا هو الكتاب بين يديك آمنا كحمام مكة فتقبله قبولًا حسنًا واحلب واشرب وقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه ثم ادع لجامعهابغفران الذنوب وستر العيوب، وأعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق، والحمد لله أولا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا سبحانه وبحمده وتقدس.
وكتبه: أبو عبد الرحمن السيوطي
سمير بن مصطفى بن عبد الله
سامحه الله
جميل الخصال
رأيت بعيناي شيخ أشم جميل الثنايا عظيم الهمم
فلله درك يا من له جميل الصفات وخير الشيم
تأسى بخير الأنام فصار له فى فروع العلوم حكم
فبحر الحديث وفى جانبيه علا الزهد واشتد عود الكرم
أديبا أريبا إذا رمته أبيا تقيا ورب العم
كثير الحياء شديد الورع بشتى الدروب له مستهم
فقيها ذكيا إذا جئته كذا فى الأصول نراه علم
تجرد من كل حظ وضيع فيرعى الحياد إذا ما حكم
غريبا يعيش بهذا الزمن كمسلم حل بلاد العجم
له فطنة لا يراها الغبي إذا الخطب حل بنا أو ألم
على قارب العلم طوق النجاة لكل شريد إذا ماعزم
(قاله الأخ الشاعر: محمد بن يونس)
نقلها ((عمرو بن مصطفى بن محمد)))
غفر الله له ولوالديه آمين
¥