أن يقولا لفرعون قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، وعلى المرشد الداعي أن يبدأ الناس بالأهم فألاهم، ولا يطلب من الناس القيام بجميع ما أمروا به دفعة واحدة، فإن هذا متعسر جداً، قال علي للنبي صلى الله عليه وسلم: « ... أو قاتلهم حتى يكفوا مثلنا، قال: لا». القصة المعروفة.
وللشيخ عبدالله القرعاوي في دعوته قصص يطول ذكرها، ولا يقبلها إلا هو، ولكنه نال مراده وهداه بفعله عبادة.
منها:
أنه إذا رأى رجلاً نبيهاً أو يرجوا بهدايته نفعاً عاماً، قال له: يا فلان أنت تحب الخير والعلم، والظاهر أنما خلفك عن المدرسة إلا شرب الدخان، فأنت احضر مع الطلبة وإذا بغيت تشرب فسحنا لك، فيأتي الرجل ويلقي الشيخ المواعظ المتنوعة على الجميع، فلا يأتي خمسة أيام إلا وقد ترك وصار من أحسن الطلبة. وكان في أول أمره إذا جاء عند القبيلة لا ينكر عليهم شيئاً من أفعالهم، بل يقلي الوعظ والتذكير حتى يتمكن منهم، واللعب يكتفي منهم أن يوافقوه على عزل النساء في محل، والرجال في محل آخر.
ولم يزل كذلك حتى أدرك قطعه مرة واحدة، ولكن بعد ثمان سنين.
ويرغبهم في ختان السنة، يتحمل المصرف والكسوة لمن وافقه على السنة، وبذالك جميع الطلبة وأقاربهم وافقوه على طلبه.
وبهذه الأمور انتشرت دعوته وقبلت، وهدأة الفتن التي كان يلاقيها في سبيل الدعوة، لما صبر وصابر وعرف الله صدقه نصره وأيده.
والشيخ القرعاوي يدخل على الأمراء وأهل الماليات والتجار والفجار، ويأمرهم وينهاهم برفق وبصيرة، ويشجعهم على فعل الخير ومساعدة الطلبة كلاً بحسبه حتى وافقوه وخافوه وأجلَّوه، وصار معظماً في نفوسهم،وهذا كله بركة الرفق واللين وحسن النية.
وأملي بالله سبحانه أن تصل إلى تهامة للسلام على الشيخ والطلبة، وترى لحاله هناك لتسرَّ بذالك، ولتعرف أنه يدرك بالرفق ما لا يدرك بالعنف، ولا يخفى قول بعض الصحابة: «إننا نهش في وجوه قوم وإن قلوبنا تلعنهم». وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس أخو العشيرة، ائذنوا له». فلما دخل عليه هش له في القول.
وإني فهمت من سيرتك، قوتك في الحق والاجتهاد فيه، وكل ما خالف الحق أو قصَّر عاديته في الله وتجنبته، وبهذا العمل ما يحصل المراد من الدعوة، بل المخالطة والصبر أقرب على حصول المطلوب، وأهل الشر يودون أن أهل الخير يتباعدون عن الأمراء وشيوخ القبائل، حتى يتم لهم مرادهم في الفساد، وقرب العلماء للأمراء والعظماء ورؤساء القبائل، يخفف الشر ويقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوعاً ما، وليس شرطاً أن يقبل كلما يقوله الواعظ، بل كما تقدم مالا يدرك كله ما يترك كله.
وإني أرجو من الأخ أن لا تظن بأخيك إلا الخير، فإني لم أذكر ما تقدم إلا وثوق بك ومحبة انتشار الدعوة.
فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطئاً فاستغفر الله، كما إني أرجوا منك مزاورة أهالي أبها وقت العيد، للمعايدة للأمير والقاضي والأهالي، وتتناساً كلما تقدم، وتلين الجانب، وتسترشد منهم في كثير مما يتعلق بدعوتك لترا المساعدة، ويتم لك الأمر.
وفي الختام أرجوا الإفادة عن وقع ذالك في قلبك.
والله ولي التوفيق والهادي إلى أقوم الطريق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم المخلص
عبدالله بن سليمان بن حميد
التوقيع
19/ 9/1369هـ)
قد كتب شيخنا عبدالله بن سعدي رسالة مطولة مفصلة للشيخ عبدالله بن سليمان بن حميد يذكر فيها منهجه في الدعوة إلى الله بالأدلة من الكتاب والسنة وآثار السلف، وهذه الرسالة هي أوضح وأهم رسالة، حيث يذكر فيها شيخنا منهجه في الدعوة إلى الله، فهي من نوادر رسائله، خاصة أنه كتبها في عام 1369هـ.
وهذا نص ما كتبه شيخنا:
(بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله بن سعدي العبدلي الغامدي إلى من أحبه لله وفيه: قاضي جيزان فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان بن حميد حفظه الله تعالى، وأدام توفيقاته وأرشده وأرشد به إلى أقوم طريق آمين وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
¥