تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البداية والتكوين ينتمي محمود شاكر إلى أسرة أبي علياء من أشراف جرجا بصعيد مصر، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه، وقد نشأ في بيت علم، فأبوه كان شيخا لعلماء الإسكندرية وتولى منصب وكيل الأزهر لمدة خمس سنوات (1909 - 1913م)، واشتغل بالعمل الوطني وكان من خطباء ثورة 1919م، وأخوه العلامة أحمد شاكر واحد من كبار محدثي العصر، وله مؤلفات وتحقيقات مشهورة ومتداولة.

انصرف محمود شاكر -وهو أصغر إخوته- إلى التعليم المدني، فالتحق بالمدارس الابتدائية والثانوية، وكان شغوفا بتعلم الإنجليزية والرياضيات، ثم تعلق بدراسة الأدب وقراءة عيونه، وحفظ وهو فتى صغير ديوان المتنبي كاملا، وحضر دروس الأدب التي كان يلقيها الشيخ المرصفي في جامع السلطان برقوق، وقرأ عليه في بيته: الكامل للمبرد، والحماسة لأبي تمام.

المواجهة الخافتة وربما كان في وسع شاكر أن يكون أحد علماء الرياضيات أو فروع الطبيعة بعد حصوله على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) من القسم العلمي سنة 1925 لكنه فضل أن يدرس العربية في كلية الآداب، وكاد قانون الجامعة أن يحول بينه وبين الالتحاق بقسم اللغة العربية، لولا تدخل طه حسين لدى أحمد لطفي السيد مدير الجامعة وإقناعه بأن يلتحق شاكر بكلية الآداب فأصدر قرارا بذلك.

وفي الجامعة استمع شاكر لمحاضرات طه حسين عن الشعر الجاهلي وهى التي عرفت بكتاب "في الشعر الجاهلي"، وكم كانت صدمته حين ادعى طه حسين أن الشعر الجاهلي منتحل وأنه كذب ملفق لم يقله أمثال امرئ القيس وزهير، وإنما ابتدعه الرواة في العصر الإسلامي، وضاعف من شدة هذه الصدمة أن ما سمعه من المحاضر الكبير سبق له أن قرأه بحذافيره في مجلة استشراقية بقلم المستشرق الإنجليزي مرجليوث.

وتتابعت المحاضرات حول هذا الموضوع، ومحمود شاكر عاجز عن مواجهة طه حسين بما في صدره، وتمنعه الهيبة والأدب أن يقف مناقشا أستاذه، وظل على ذلك زمنا لا يستطيع أن يتكلم حتى إذا لم يعد في الصبر والتحمل بقية، وقف يرد على طه حسين في صراحة وبغير مداراة، لكنه لم يستطع أن يواجهه بأن ما يقوله إنما هو سطو على أفكار مرجليوث بلا حياء أو اكتراث.

وتولد عن شعوره بالعجز عن مواجهة التحدي خيبة أمل كبيرة فترك الجامعة غير آسف عليها وهو في السنة الثانية، ولم تفلح المحاولات التي بذلها أساتذته وأهله في إقناعه بالرجوع، وسافر إلى الحجاز سنة 1928 مهاجرا، وأنشأ هناك مدرسة ابتدائية عمل مديرا لها، حتى استدعاه والده الشيخ فعاد إلى القاهرة.

اكتشاف المتنبي وبعد عودته سنة 1929 انصرف إلى قراءة الأدب ومطالعة دواوين شعراء العربية على اختلاف عصورهم حتى صارت له ملكة في تذوق الشعر والتفرقة بين نظمه وأساليبه، وبدأ ينشر بعض قصائده الرومانسية في مجلتي "الفتح" و"الزهراء" لمحب الدين الخطيب، واتصل بأعلام عصره من أمثال أحمد تيمور وأحمد زكي باشا والخضر حسين ومصطفى صادق الرافعي الذي ارتبط بصداقة خاصة معه. ولم يكن شاكر معروفا بين الناس قبل تأليفه كتابه "المتنبي" الذي أثار ضجة كبيرة بمنهجه المبتكر وأسلوبه الجديد في البحث، وهو يعد علامة فارقة في الدرس الأدبي نقلته من الثرثرة المسترخية إلى البحث الجاد.

والعجيب أن شاكر الذي ألف هذا الكتاب سنة 1936 ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره لم يكن يقصد تأليف كتاب عن المتنبي، إنما كان مكلفا من قبل فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة المقتطف بأن يكتب دراسة عن المتنبي مسهبة بعض الإسهاب ما بين عشرين إلى ثلاثين صفحة، ولكن هذا التكليف تحول على يد شاكر كتابا مستقلا عن المتنبي أنجزه في فترة زمنية قصيرة على نحو غير مسبوق ونشرته مجلة المقتطف في عددها الصادر في السادس من شوال 1354هـ الأول من يناير 1936م، وصدر فؤاد صروف مجلته بقوله: هذا العدد من المقتطف يختلف عن كل عدد صادر منذ سنتين إلى يومنا هذا، فهو في موضوع واحد ولكاتب واحد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير