تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خلطة الشيخ إلا الخير "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ".

فهذا الشيخ حفظه الله تعالى قد ألفيته جامعة تبث الخير في جميع المناحي كوابل أوله في الخير كآخره، وهذا الأمر لمن خالط الشيخ معلوم محتوم ففتح الله تعالى بإرشادات الشيخ عقلي وذهبت أفكار كثيرة منتكسة من رأسي وتقدمت أضعاف ما كنت عليه قبل ملاقاة هذا الحبر الجليل وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كما في ترجمته لابن الجوزي: "ملاقاة الرجال تلقيح لألبابهم" فهذه يد للشيخ على وإخواني لا يجزيه عليها إلا الله تعالى.

ولقد أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني

حبرًا لقيت بأرض حلوان فيا أهلًا بحبر عاش في حلوان

وهذه المدرسة التي وصفت آنفا هي شخص الشيخ حفظه الله تعالى سلفية محضة، لا تكاد تقرأ عن السلف شيئًا إلا وجدته في الشيخ يفعله وببراعة ففي العلم مثال للسلف، فكان يُعقد له مجلس في عوالي حلوان عند منطقة تسمي مدينة الموظفين فكان يُدَرِّسُ فيها الفقه من كتاب (منار السبيل) وأصول الفقه من كتاب وهبة الزحيلي المسمى (أصول الفقه الإسلامي) فكان بحثًا رشيدًا أريبًا لا درسًا عاديًا كغيره، كأن الله بعث أبا إسحاق الشيرازي الشافعي فدرس هذه المواد وكان يجلس من بعد العصر فبلغ أن قد سجل له بعض الطلبة أشرطة كاسيت لهذين الشرحين فشرح خمس ورقات من كتاب منار السبيل في أكثر من اثني عشر شريطًا، كل شريط يسع ساعة ونصف الساعة وكذا في كتاب أصول الفقه. وحدثني من جلس في هذا المجلس: أن الشيخ شرح مسألة فقال: "هذه المسألة اختلف العلماء فيها على سبعة مذاهب" قال لي محدثي: ثم أغمض عينيه، قلت: وهذا دأب الشيخ، وأخذ في سرد السبعة مذاهب وعزو كل مذهب إلى قائله، ثم عقب بذكر أدلة كُلٍّ، ثم عقب بمناقشة كل دليل، ثم عقب بالتفصيل بين الصحيح والسقيم من الأدلة، ثم رَجَّحَ مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة وفعل سلف الأمة ومن الأصول على ما ذهب إليه ورجحه، وكل ذلك وهو مغمض العين لا ينظر في كتاب ولا دفتر عنده يصحح الصحيح ويزيف المزيف وكل ذلك في أسلوب رصين مكين متين.

هيهات أن يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل

* أما عن الحديث:

فلا يعرف قدر الشيخ في هذا الفن إلا من قد درسه ولتراجع على سبيل المثال أخي في الله كتاب الشيخ العظيم (إمعان النظر في تقريب الحافظ بن حجر) لتعلم أنه بقية السلف حقًا والله لكأن الحافظ ابن حجر هو الذي ناقش نفسه لا الشيخ هو الذي ناقشه، ومن أراد معرفة ذلك فليطلع على ما مدحه به الشيخ الألباني كما في ثنايا هذه الرسالة لتعلم قدر الشيخ كيف يمدحه سَيِّدٌ من سادة محدثي هذا العصر بل هو كبيرهم مطلقًا وهو العلامة الألباني رحمه الله تعالى، فقال على كتابه (فتح من العزيز الغفار .. ) قال: " ففرحت به فرحًا كبيرًا وازداد سروري حينما قرأته وتصفحت بعض فصوله وتبين لي أسلوبه العلمي وطريقته في معالجة الأدلة المختلفة التي منها بل هي أهمها تخريج الأحاديث وتتبع طرقها وشواهدها…" إلى آخر كلامه وسيأتي بتمامه عند ذكر ثناء العلماء على الشيخ عطاء وَمَنْ مدحه الألباني فقد قفز القنطرة حقًا وكفى بمدح مثل هذا الطَّوْد الأشم للشيخ مفخرة ومنقبة.

هذي المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعاد بعد أبوالا

*أما عن الذكر:

فقد رأيت مثالًا للسلف حقًا فلسان الشيخ قَلَّ أن يفتر عن الذكر في جميع أحواله تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قالت عنه عائشة رضي الله عنها: "كان يذكر الله على كل أحواله" وكنت أرى من الشيخ في الذكر عجبًا حقًا، فكان في دكانه يبيع ويأخذ المال من الزبائن ثم يعطيهم البضاعة والباقي إن كان لهم وهو في ذلك كله يذكر الله لا يفتر إلا نادرًا يسيرًا إذا تكلم أو اضطر إلى ذلك، وحدثني أخي وكنا مع الشيخ نتعشى عند بعض الإخوة وكان أخي محمد بين يدي الشيخ أمامه فقال لي وقد اغرورقت عيناه بالدمع: لقد رأيت الشيخ يذكر الله وهو يأكل! قلت: يعني كأنه يعطل الطعام في فيه قليلًا ويذكر ثم يستمر في المضغ وهذا لم يتفق إلا لبعض السلف فضلًا عن الخلف إلا ما علمنا من سيرة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير