تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّها الدروس العملية النافعة .. فكم في سير أعلام النبلاء من حكاية واقعة عملت في قلوب القارئين ما لم تعمله أسفار العلم التي حوتها مكتباتهم، ومرت عليها أعينهم .. وكم في المذكرات من تاريخ لم يؤرّخ في سواها، كما في مذكرات العلّامة الأديب الأريب الشيخ / علي الطنطاوي رحمه الله تعالى .. فكم فيها من نزهة للقلوب وراحة للنفوس وعبرة للمتعظ، مع ما حوته من الفوائد المشار إليها ..

نقول إنا لله وإنّا إليه راجعون، رحم الله شيخنا العلامة الجليل / عبد الله بن حسن بن محمد بن حسن بن عبد الله بن قعود .. العالم الفقيه الداعية المحتسب، هكذا نحسبه ولا نزكي على ربنا أحدا ..

وهنا أُبيِّن: لا أريد أن أتحدث عن حياتنا شيخنا العلمية والعملية العامرة، كلا، فذاك شيء يطول الحديث عنه، فلا يناسب مثل هذا المقام [1] ( http://saaid.net/Warathah/1/abnkoaod1.htm#[1]) .. وإنَّما أريد أن أسجل شيئاً من وفاء تلميذٍ لشيخه، بذكر بعض الدروس المستفادة من حياته – مما يخطر الآن على البال - على سبيل الإيجاز الشديد .. لعلّ درساً منها يعلق بنفس أبيّة طاهرة، فترث عن الشيخ شيئاً من الإرث العملي المنحوت من منهاج النبوّة .. فهكذا ينبغي أن تكون مراثي العلماء ..

لعل بعض شبابنا لم يتيسر له الجلوس بين يدي هذا الشيخ الجليل، ومهما قلت لأقرِّب لهم صورةً من حياته ومعنى للجلوس بين يديه، فسيقصر الوصف عن حقيقة مذاق جلسة من تلك الجلسات التي كنّا نستكثر الزمن بينها وبين تاليتها - وإن لم يفصل سوى ساعات في بعض الأحايين - ونحن نُقَبِّل جبينه تقربا إلى الله عز وجل بتوقير ورثة الأنبياء - وهو يشيعنا عند باب داره، وحتى يصل إلى باب سيارة أحدنا رغما عنّا، أو وهو يتقهقر إلى مظلة باب الدار ويلوح لنا بيديه، ووجه إلينا حتى ننصرف! إذْ لم تُجْد محاولاتنا في إقناعه بالاكتفاء بالتوديع عند الباب حتى صرنا نقرِّب له حذاءه – دون علمه - لعلمنا بعزمه على السير معنا – ولو حافياً - حتى ننصرف!

كانت بداية صلتي بالشيخ رحمه الله في حضور خُطَبه وصلاة الجمعة خلفه في جامع الملك عبد العزيز رحمه الله الواقع بحي المربع من مدينة الرياض، إذْ كنت أحضر في معية والدي – رحمه الله وجعل قبره روضة من رياض الجنة و أسكنه فسيح جنته - .. وكنا نخرج من خطبه بموعظة ممزوجة بالفقه والتأصيل والتربية مزجا عجيبا ترسِّخه نغمة الصوت الصادقة، والعبرة الخاشعة، والبكاء الذي لا تجدي محاولات الشيخ في كبته! ومن يقرأ كتابه (أحاديث الجمعة) يجد فيها شيئا مما ذكرت، ومن يستمع بعض تسجيلات خطبه يدرك كثيراً مما وصفت، ومن حضر تلك الجُمع تذكّر أكثر مما أحاول استذكاره .. كان روّاد خُطبه نُخَبٌ مُتميِّزة من العلماء، وأذكر منهم العلامة الجليل شيخ الحنابلة الشيخ / عبد الله بن عقيل، والشيخ الجليل العلامة عبد الرحمن البراك حفظهما الله، وأمَّا من يحضرها من طلبة العلم فقد لا أكون مبالغاً لو قلت: إنَّهم جلّ المصلين خلفه!

ثم شاء الله عز وجل أن نقترب من الشيخ أكثر، إذ كنت أتصل به كثيراً لأعرض عليه بعض ما يشكل عليَّ من المسائل أثناء الدراسة، ولا سيما فيما يتعلق بالتخصص (السياسة الشرعية)، والشيخ على علم بهذا الفنّ، بل قد مارس بعض مجالاته عملياً أثناء عمله في ديوان المظالم، وكنت أجد أجوبة تدلّ على عمق علمي، يستند فيها الشيخ إلى النصّ ويرعى فيها المقصد .. ولمّا رأيت من الشيخ انشراحاً، عزمت وبعض زملائي على أنّ نتقدم إلى الشيخ بطلب دروس خاصّة في فنّ السياسة الشرعية، فوجدنا منه ترحيباً عجيباً، ولم نلبث أن حدّدنا الوقت والكتب، وبدأنا القراءة على الشيخ .. فأنهينا عليه - بحمد الله – كتاب السياسة الشرعية، للإمام أبي العبّاس ابن تيمية، وكتاب: مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، لأبي عبد الله البعلي، والاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لأبي الحسن البعلي، وكتاب: الطرق الحكمية، للعلامة ابن قيم الجوزية، وكتباً أخرى موسمية، وبعض البحوث العلمية، إضافة إلى بعض الكتب التي بدأناها ولم ننهها، بسبب اشتداد المرض عليه رحمه الله، ورفع الله درجته وأجزل الله مثوبته ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير